إعلان الرئيسية

نشأة وتطور التعليم الأزهري (الجزء الأول)


يشغل التعليم الأزهري بصفة عامة مكاناً بارزاً في العالم الإسلامي، وذلك لما يقع عليه من مسئولية الحفاظ على القيم الإسلامية ومحاربة أي غزو يمثل تهديداً مباشراً لها، وإكساب الفرد سمات وصفات المواطن الصالح، حيث تعمل مضامينه على تنمية الشخصية الإنسانية في مختلف جوانب الحياة البدنية والعقلية والاجتماعية والروحية والجمالية، كما يركز على مقومات الاستقلالية في الفكر والمبادئ والاختيار وإصدار الأحكام.

ويقصد بالتعليم قبل الجامعي بالأزهر المعاهد الأزهرية والتي عرفها القانون رقم ۱۰۳ لسنة ١٩٦١م بأنها المؤسسات التعليمية التابعة للأزهر والتي تقوم مقام المدارس بأنواعها في التعليم العام، وحدد القانون الغرض منها وأنواعها، ومنها المعاهد الأزهرية العامة، وتشمل كل المعاهد الأزهرية لمراحل التعليم العام الثلاث والتي تهدف إلى تزويد التلاميذ بالقدر الكافي من الثقافة الإسلامية والعربية، وإلى جانبها المعارف التي يتزود بها نظراؤهم في مدارس التعليم العام ولقد قسم القانون مراحل التعليم في المعاهد الأزهرية إلى:

التعليم الابتدائي الأزهري:


ويمتد إلى ست سنوات دراسية تنتهي بحصول التلميذ على الشهادة الابتدائية الأزهرية.

التعليم الإعدادي الأزهري:


ومدته أربع سنوات تنتهي بالحصول على الشهادة الإعدادية ثم عدلت إلى ثلاث سنوات بالقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٦٧م والصادر في ١٩٦٧/١١/٢١م.

التعليم الثانوي الأزهري:


بصدور القانون ۱۰۳ لسنة ١٩٦١م، ظلت مدة الدراسة بالمعاهد الثانوية الأزهرية خمس سنوات، وعدلت بالقرار رقم ٤٩ لسنة ١٩٦٧م، والصادر في ١٩٦٧/١١/٢١م إلى أربع سنوات، ومع صدور القانون ١٦٤ لسنة ١٩٩٨م أصبحت الدراسة بها ثلاث سنوات تنتهي بالحصول على الشهادة الثانوية بأحد قسميها.

وبصدور القانون رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١م والذي نظم هيئات الأزهر متمثلة في المجلس الأعلى للأزهر، مجمع البحوث الإسلامية، إدارة الثقافة والبحوث الإسلامية، المعاهد الأزهرية ، جامعة الأزهر، وجعل لكل منها جهازاً إدارياً وماليا بالإضافة إلى جهاز إداري ومالي مركزي برئاسة أمين عام المجلس الأعلى للأزهر، كما نص القانون على أن يكون للتعليم ما قبل الجامعي بالأزهر - المعاهد الأزهرية - إدارة عامة تشرف عليه وتديره، إلا أن هذه الإدارة تولت الإشراف الفني على المعاهد الأزهرية، أما الإشراف المالي والإداري فكان من اختصاص المجلس الأعلى للأزهر، ويتناول الفصل الحالي التطور التاريخي للتعليم الأزهري قبل الجامعي من خلال المحاور التالية:

أولاً: التعليم الأزهري قبل صدور القوانين المنظمة له:


تم إنشاء الأزهر سنة ٣٦١ هـ - ۹۷۲م، وأصبح من ذلك الحين يحتل مكانة رفيعة بين المسلمين عامة والمصريين خاصة، واكتسب صفته العلمية كمعهد للدراسة مبكرا، فلم يمض على إنشائه ثلاث سنوات ونصف حتى جلس فيه أبو الحسن علي بن محمد بن النعمان القيرواني قاضي القضاة، وتحلق الناس من حوله ليلقي دروسا في الفقه.

وبعد ستة عشر عاماً من إنشاء الأزهر بدأ يعقوب بن كلس يضع أسس تطويره وتحويله إلى شبه جامعة علمية إسلامية كبرى، وذلك بتعيين جماعة من الفقهاء للتدريس فيه تحت رئاسته، وكان يحضر هذه الدروس من شاء دون وجود قوانين تحكم سير العملية التعليمية آنذاك. وكان النظام التعليمي المتبع داخل الأزهر هو نظام الحلقات الدراسية، وكانت حلقات الدراسة بالأزهر على ثلاث صور:

  1. الأولى: تضم مجموعة من التقاة، ينصتون إلى قراءة القرآن وتفسيره.
  2. الثانية: حلقات للدارسين يتحلقون في أرض المسجد حول الشيخ.
  3. الثالثة: فكانت محاضرات عامة يلقيها رئيس الدعاة.

ويلاحظ أن الطالب لا يحدد له من معينة حتى ينتقل من حلقة لأخرى، ولكن يجلس في حلقة ما وفقا للمستوى التعليمي الذي يتناسب مع التعليم الذي سبق أن درسه، ولم يكن بالأزهر في العادة امتحان، ولم يكن على الشيخ أن يلاحظ تقدم الطالب في العلم الذي يقوم بشرحه، بل الطالب موكول لنفسه في كل أموره وأفعاله، فإذا كان الطالب يقصد أن يكون مدرسا، فإنه يترك له أن يقرر ذلك وقتما يرى أنه أصبح ذا كفاءة تؤهله لأن يجلس مجلس العلماء، فإذا أنس من نفسه علما كافيا يمكنه من إفادة غيره، استأذن وجلس للتدريس، حيث يجد مكانا خاليا، وعرض نفسه على الطلبة، فكانوا إذا لم يجدوا فيه الكفاية للإفادة انفضوا من حوله.

فكان على هؤلاء أن يحصلوا على إجازة من شيوخهم تشهد لهم بأنهم أكفاء للتدريس والإفتاء، وكانت هذه الشهادة تمنح بناء على طلب يرسله طالب الإجازة إلى علماء الأزهر، وكان علماء الأزهر في معظم الأحوال يستجيبون لهذا المطلب إذا توفرت للعالم معرفة دقيقة وكاملة عن سيرة الطالب العلمية والشخصية.

وبقي الأزهر في رعاية الخلفاء الفاطميين جامعة تدرس فيها العلوم الشرعية والعقلية وكانت المواد التي تدرس في العصر الفاطمي تتمثل في الفلسفة والمنظور والطب والعلوم والرياضيات بالإضافة إلى علوم القرآن الكريم، والحديث، والكلام، والأصول، والفقه، والنحو والصرف والبلاغة.

ولما تقلد صلاح الدين الأيوبي الحكم وأسس الدولة الأيوبية (٥٦٧ - ٦٤٨هـ : ١١٧١ - ١٢٥٠م) بدأ بمحاربة المذهب الشيعي بإنشاء المدرسة الناصرية، والتي كان يدرس فيها المذهب الشافعي (٥٦٨هـ)، والمدرسة القمحية التي كان يدرس فيها المذهب المالكي، ثم أنشأ ثلاث مدارس أخرى، وتمكنت هذه المدارس من نشر المذهب السني بين المصريين في وقت قصير ، بالإضافة إلى ذلك أنشأ صلاح الدين الأيوبي عددا من الكتاتيب؛ لتعليم أبناء الفقراء والأيتام، مما جعل الرحالة ابن الجبير يعتبر ذلك من مأثره الكريمة المصرية عن اعتنائه بأمور المسلمين عامة.

وحذا خلفاء صلاح الدين حذوه في الاهتمام ببناء المدارس حتى بلغ عددها ست وعشرون مدرسة، وكانت هذه المدارس تهتم بتدريس العلوم النقلية كالتفسير، والحديث، والفقه وعلم الكلام، واللغة والنحو والصرف والبلاغة، والآداب، وتدريس العلوم العقلية كالفلسفة والمنطق والفلك والرياضيات، ولقد أث در قيام هذه المدارس وكثرتها تأثيرا كبيرا في سير الدراسة بالجامع الأزهر، فقد نافسته منافسة شديدة، واجتذبت إليها الطلاب وأعلام الأساتذة من مختلف البلدان الإسلامية ، ومع ذلك ظل الأزهر محتفظا بصفته كمعهد للدرس والقراءة ؛ الاتساع مجال الدراسة فيه من ناحية، ولأنه كان مقصد الطلاب الغرباء الذين ظلوا يفدون إليه من كل أنحاء العالم الإسلامي من ناحية.

أما في العصر المملوكي فقد انصفت الحياة الاجتماعية بالنشاط والحركة، فشهدت مصر نشاطا علميا ملحوظاً، وعادت للأزهر مكانته في نشر الفكر السني المذهب الشعبي لمصر، وأعاد الظاهر بيبرس خطبة الجمعة فيه بعد أن أوقفت في العهد الأيوبي، ويبين هذا عدم تعمق المذهب الشيعي في التربة المصرية حتى خلال العهد الفاطمي ذاته.

وبعد أن فتح العثمانيون مصر عام ١٥١٧م، أصاب التدهور الحركة الفكرية في مصر ، ولم يكن الأزهر بعيدا عن هذا التدهور، فقل العون المادي الذي كان صلب الحياة العلمية، وقلت العناية بالعلوم الرياضية والطبيعية والفلسفية، وأهملت إهمالا يكاد يكون تام 156، كما أصيبت طرق التدريس بالجمود بعد أن أصيبت المواد الدراسية، فأخذ التعليم يعتمد على الحفظ والاستظهار، وأصبح الاهتمام منصبا على الكلمات والألفاظ بدلا من المناقشات العلمية للأفكار واقتصرت العملية التعليمية بالأزهر على تدريس العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية بطريقة تقليدية.

ورغم الاقتصار على دراسة علوم الدين بالأزهر في العصر العثماني، إلا أن بعض الطلاب كانوا يدرسون العلوم العقلية التي يكفي أن يقوم بدراستها البعض. 

أما العلوم الشرعية والعربية فقد كانت من العلوم الضرورية التي لابد من دراستها. ورغم هذا انحصر دور الأزهر وصار أكثر ما يسمعه المرء عن أبنائه وعن مكانته أمرا يصف ما كان ولا يتصل بما هو كائن.

وفي عام ۱۷۹۸م جاء إلى مصر ١٤٦ عالمًا ومفكرًا من فرنسا بصحبة الحملة الفرنسية التي قادها نابليون بونابرت واختلطوا بالعلماء والمفكرين المصريين الأزهريين، فأدرك العلماء الأزهريون مدى التقدم ومظاهر الحضارة الجديدة التي وصلت إليها فرنسا، وقد ترجم هذا بعض رجال الأزهر كالشيخ حسن العطار، الذي نادى بضرورة مسايرة التطور والأخذ بأسباب الحضارة الحديثة، وبدأ بعض الأزهريين يتنبه إلى واقعهم التعليمي، وضرورة إصلاح أحوال الدراسة بالأزهر، إلا أن انصراف علماء ومشايخ الأزهر في هذه الحقبة من الزمن إلى الكفاح الوطني الذي ساعد على بقاء أحوال الأزهر الدراسية على ما هي عليه فلم ينلها أي تغيير أو تطوير .

بالرغم من ذلك نظر محمد علي وأسرته إلى الأزهر كمؤسسة مصرية تربوية مرهوية الجانب، لها تأثيرها في السياسية والشئون العامة، ومن ثم وجه اهتمامه إلى المدارس التي أنشأها، وترك الأزهر وحده يصارع التيارات المقبلة عليه من التحديث؛ لأن أي تغيير في منظومة التعليم الأزهري قد يثير حفيظة الأزهريين، فضلا عن إثارة الشعور الديني بين عامة الشعب، فكان عليه وفق هذه النظرة ولأنه كان يتعجل التطوير لتحقيق أغراضه التوسعية - قرر أن ينشئ نظاما تعليميا حديثا جنبا إلى جنب مع النظام التعليمي الأزهري.

هكذا أوجد محمد علي بمصر نظامان تعليميان، مما أحدث ازدواجية في الثقافة والتعليم، وألهب الصراع الفكري بين أبناء الأمة الواحدة، وبالرغم من هذا الصراع بين النظامين ظلا يعيشان جنبا إلى جنب ويقتسمان فيما بينهما تربية الناشئة.

مراحل إتمام التعليم الأزهري حتى عصر محمد علي:


كان التعليم بالأزهر يتم على ثلاث مراحل حتى عصر محمد علي:


المرحلة الأولى:


يبدأ الطالب فيها بحفظ القرآن الكريم، وتعلم القراءة والكتابة، وقد يدرس إلى جانب ذلك شيئا من حساب المقاييس والموازيين، فإذا انتهي الطالب من ذلك انتقل إلى مرحلة تالية، وغالبا ما يتلقى الطالب هذه الدراسة الأولية في أحد المساجد أو الكتاتيب في قريته أو حيه أو في الجامع الأزهر.

المرحلة الثانية:


يظل الطالب فيها تحت إشراف أستاذه الذي يلقنه دروسا في القراءة وكتابة الموضوعات الإنشائية، التي يتدرج فيها من السهولة إلى الصعوبة متمشيا في ذلك مع النمو العقلي للطالب، وأهم ما في هذا الأسلوب التعليمي أنه لا يبدأ بتعليم القواعد والتعاريف والكليات في اللغة العربية إلا بعد أن يكون الطالب قد استوعب هذه اللغة، وتكونت لديه ملكة وذوق.

المرحلة الثالثة:


ففيها يدرس الطالب علوم الدين، من فقه وحديث وتفسير وتوحيد وأخلاق، كما يدرس علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة، وغير ذلك من العلوم العربية.

وفي أوائل القرن التاسع عشر بدأت تظهر في مصر طبقة من المفكرين والعلماء والأدباء؛ نتيجة لإرسال بعوث الطلبة المصريين إلى أوروبا، ليتلقوا ثقافتها وعلومها العصرية ولينشئوا الثقافة القومية فيما بعد على أسس حديثة، حيث أرسلت عام ١٨٢٦م إلى فرنسا وإنجلترا والنمسا وغيرها بعثات بلغ عدد طلبتها أكثر من ثلاثمائة، ونتيجة للاحتكاك المستمر بأوروبا تطورت الحياة الفكرية والاجتماعية المصرية بسرعة نحو الاتجاه الجديد.

ولم يكن طلاب الأزهر في مطلع القرن التاسع عشر بعيدين عن هذه الحركة الثقافية فقد كان من طلاب هذه البعثات عدد من طلاب الأزهر الذين كان لهم دور في إخراج الموسوعات والمصنفات، ولكن الأزهر ذاته بقي بمعزل عن هذه المؤثرات والاتجاهات الفكرية الجديدة

ويمثل رفاعة الطهطاوي - (۱۸۰۱ - ۱۸۷۳ م) الذي تأثر بعقلية أستاذه حسن العطار - نزعة التجديد الفكري والتحديث الثقافي في المجتمع المصري حيث كان من أبرز قادة الفكر في المجتمع، خاصة في ميادين التربية والتعليم والصحافة والترجمة والتأليف، كما كان المفكر الأول الذي وضع المعالم الأولى لمركب ثقافي جديد يجمع بين الحداثة والتراث الأصيل، وكان لاتجاهاته الفكرية والتربوية آثارها في تحديث الكثير من العلوم كالجغرافيا والسياسة وغيرها. فقد نهل الطهطاوي من الأزهر أولا، ثم أضاف إلى ذلك بالرجوع إلى ثقافة الآباء والأجداد التراثية وإلى جانب ذلك تعلم الفرنسية، واطلع على العديد من مؤلفات الفكر الغربي الحديث، وأدى ذلك إلى ميل الطهطاوي إلى التجديد أكثر منه إلى المحافظة.

ونادي رفاعة الطهطاوي بضرورة تطوير الدراسة بالأزهر، خاصة وأن المدارس التي أنشأتها الحكومة تعلم طائفة كبيرة من أبناء البلاد علوما لا يستطيعون أن ينكروا نفعها، بل إن هذه العلوم الحديثة ليست غريبة تماما عن تاريخ الأزهر، ومن هنا ظهرت محاولات التطوير الدراسة بالأزهر، وتغيير طرق التدريس المستخدمة

وهكذا يعتبر الطهطاوي من أبرز أعلام النهضة التربوية في مصر والشرق العربي الحديث؛ حيث كانت له آراؤه التربوية التي تأصل فيها الفكر الإسلامي، وتتلمذه بالأزهر على أيدي مشاهير علمائه، كما أثرت في آرائه المختلفة دراسته في فرنسا واحتكاكه بعلمائها.

أهم الملامح التي اتسم بها التعليم الأزهري قبل صدور التشريعات المنظمة لبنيته:


مما سبق نستطيع أن نميز أهم الملامح التي اتسم بها التعليم الأزهري قبل صدور التشريعات المنظمة لبنيته فيما يلي:


1- مدة ونظام الدراسة للتعليم الأزهري قبل صدور التشريعات المنظمة له: 


يمكن توضيح نظام الدراسة بالأزهر منذ إنشائه وحتى صدور التشريعات المنظمة له في النقاط التالية:


  • عدم تحديد عدد معين لسنوات دراسية تشكل مرحلة للدراسة بالأزهر.
  • الافتقار لنظام خاص يلزم المدرسين والأساتذة الأزهريين بالمحافظة على حضور حلقات العلم والدرس، فلا ضوابط العمل المدرس.
  • حرية الدارسين في الانتظام أو عدم الانتظام.

2- شروط القبول بالتعليم الأزهري قبل صدور التشريعات المنظمة له: 


لم تكن هناك من محددة يقبل عندها التلميذ لتلقي العلم، لكن يشترط أن تكون لديه القدرة على القراءة والكتابة، وحفظ بعض أو كل القرآن الكريم.

3- أهداف التعليم الأزهري قبل صدور التشريعات المنظمة له: 


كان الهدف من إنشاء الجامع الأزهر في بادئ الأمر هو نشر الفكر الشيعي في العهد الفاطمي، ثم تحول الهدف إلى نشر الفكر السني بداية من العصر الأيوبي، إلى أن وصل إلى الحفاظ على التراث الإسلامي، وحماية اللغة العربية في مواجهة اللغة التركية في العصر العثماني.

4- خطة ومواد الدراسة للتعليم الأزهري قبل صدور التشريعات المنظمة له: 


يمكن ملاحظة ما يلي على خطة ومواد الدراسة: 


  • لا توجد خطط دراسية محددة للعلوم التي كانت تدرس آنذاك.
  • غلبة العلوم الشرعية على غيرها من العلوم الطبيعية طوال هذه الفترة، بحيث يمكن القول؛ إن نظام التعليم بالأزهر خلال هذه الفترة يكاد يكون مقتصرا على العلوم الشرعية، وأن بقية العلوم الأخرى تأتي في المرتبة الثانية.

5- نظام امتحانات التعليم الأزهري قبل صدور التشريعات المنظمة له:


  • لم تكن هناك امتحانات لتحديد مستويات الطلاب التعليمية وتقويمهم.
  • اعتبرت الإجازات الدراسية هي الشهادات التي يحصل عليها خريج الأزهر، سواء كانت إجازة بالفتيا أو بعراضة الكتب، أو بالمرويات على الاستدعاءات.

ثانياً: نشأة القوانين المنظمة للتعليم الأزهري قبل الجامعي:


مع بداية القرن التاسع عشر ظهرت المحاولات الأولى لإصلاح الأزهر على يد الشيخ حسن العطار بانتقاده للكتب القديمة، والتخلي عن المؤلفات الركيكة التي كتبها المتأخرون في عصور الانحطاط، وظهرت محاولة الشيخ الطهطاوي بإقناع الأزهريين بفائدة الإصلاح، وأن العلوم الحديثة ليست جديدة على الأزهر، ولا خارجة على ما يقتضيه الدين، وكذلك ظهر لومه المحمد علي لإهماله الأزهر، وظلت المحاولات محصورة في المناداة بإصلاح الأزهر، وإدخال العلوم الحديثة عليه، وانتقاد بعض علومه وطرائقه الجامدة في البحث، كما ظلت هذه المحاولات تتأرجح بين القبول والرفض، والتأييد والمعارضة، والاستجابة والاستحسان والاستهجان، ولم تخرج من كونها محاولات نبهت الأذهان إلى ضرورة الإصلاح والتطوير الحديث، ولم تأخذ هذه المحاولات شكلا حقيقيا وتصبح حركات بارزة للإصلاح إلا في عهد الخديوي إسماعيل، عندما صدرت لائحة تنظيم الأزهر المعروفة بلائحة الشيخ العروسي (شيخ الأزهر) في السادس عشر من ربيع الثاني عام ١٢٨٢هـ / ١٨٦٦م.

وتعد لائحة الشيخ محمد العروسي أول عمل مخطط ومدروس بشأن تنظيم التعليم الأزهري، وكان من أهم المقترحات التي وردت باللائحة:


  1. ما يتعلق بالقرآن الكريم وحفظه.
  2. توثيق الصلة بين الأزهر وبين الحياة العامة، وتيسير السبل لأداء رسالته في حراسة الدين.
  3. كيفية حضور الطلاب وعنايتهم وانتسابهم وتأديبهم ومكافأتهم وجرايتهم وامتحاناتهم والتمييز بينهم في جدية طلب العلم.
  4. وجوب تدريس العلوم الحديثة في الأزهر.
  5. شروط صلاحية من يعمل في مهنة التدريس بالأزهر.
  6. وظائف القضاء والفتيا.
  7. طبع الكتب وتصحيحها بإشراف الأزهر.

بالرغم من أن الشيخ العروسي قد وضع لائحة تنظيم العمل بالأزهر، إلا أنه لم يتطرق في اللائحة لعدد السنوات اللازمة للدراسة داخل الأزهر، وقد نجح في تنفيذ بعض البنود الواردة باللائحة، إلا أنه لم يكتب له النجاح في تنفيذ البعض الآخر، حيث لقيت هذه اللائحة معارضة شديدة من طائفة كبيرة من العلماء المحافظين ممن كانوا يؤثرون إبقاء القديم على حاله ويتوجسون خيفة من مثل هذه الإصلاحات.

لما تولى الشيخ محمد العباس المهدى، مفتي الحنفية مشيخة الأزهر عام ١٨٧٠م وكان له من الاعتبار ما مكنه من الحصول على هبات وافرة كانت سندا لمركزه المالي، وأعاد للأزهر الأوقاف وكل المخصصات التي سلبت منه لينفقها على مستحقيها، ثم إنه أدرك كيف تجري الدراسة في الأزهر دون نظام مقرر، فالشيخ هو وحده الذي يشهد لطلابه بالكفاءة.

وهال الشيخ المهدى أن بعض الطلاب ي د عون العلم وهم جهال، وأن بعضهم يتظاهرون بطلب العلم فرارا من خدمة الجيش، وأن في طلاب الأزهر أشخاصا تزيد أعمارهم على الستين عاما، فرأى ضرورة تنظيم الأزهر وفي الثالث من فبراير عام ۱۸۷۲م أصدر القانون رقم ٢٤ لسنة ۱۸۷۲م والمعروف بقانون الشيخ المهدي.

ويعد القانون رقم ٢٤ لسنة ۱۸۷۲م نقطة تحول في تاريخ الأزهر: حيث نظمه تنظيما حديثا بتحديد مقررات الطلبة، وتنظيم الامتحانات وترتيب الناجحين، وعلى الرغم من أنها أمور لا تمس جوهر العملية التعليمية ولا روح التعليم إلا أنه كان الغرض منه رفع مستوى الأساتذة والطلاب، فكان يقضي بالآتي:

  1. أن يكون نيل العالمية بالامتحان على يد لجنة من العلماء يختارهم شيخ الجامع الأزهر، واجتمع الرأي على تعيين سنة من أكابر العلماء من أهل كل مذهب من مذاهب الشافعي، والحنفي، والمالكي، واثنان من أهل مذهب ابن حنبل فقط لقلة عدد طلابه.
  2.  أن ينقسم الناجحون في الامتحان من الطلاب إلى ثلاث درجات: أولى وثانية وثالثة، على أن يصدر بذلك قرار عال، ويمتاز أصحاب الدرجة الأولى بكسوة تشريف.
  3.  أما العلوم التي يمتحن فيها الطالب فهي أحد عشر علما: " الفقه الأصول، التوحيد، الحديث، التفسير، النحو الصرف المعاني، البديع، المنطق.
  4. من يريد الامتحان لابد أن يكون قد درس هذه العلوم بالجامع الأزهر، ودرس كبار الكتب مثل: السعد، وجمع الجوامع، ثم يقدم طلباً لشيخ الجامع الأزهر يذكر فيه أنه يريد الدخول في طائفة العلماء المدرسين، وينتظم في سلك المعلمين.
  5. وحرصاً على ارتفاع مستوى الطلاب نص القانون على أنه من المستحسن ألا يمتحن في العام الواحد أكثر من ستة طلاب.

في نفس العام الذي صدر فيه القانون رقم ٢٤ لسنة ۱۸۷۲م تأسست مدرسة دار العلوم ورغم أن معظم معلميها وطلابها من أبناء الأزهر، إلا أن بعض علمائه اعتبروها منافسا خطيرا لهم، وعليه ازداد هؤلاء المعارضون تمسكا بتقاليد الأزهر ونظمه التعليمية التي درج عليها. وخشي الكثيرون منهم أن يفقد الأزهر مكانته بإنشاء هذه المدرسة التي تعتبر خطوة لتطوير الأزهر، حيث كانت تدرس بها العلوم التي ابتعد الأزهر عن تدريسها مثل العلوم الطبيعية كالكيمياء والفيزياء إلى جانب الرياضيات، وكذلك اللغات كالتركية والفرنسية.

وفي مارس من عام 1885 م، صدر قانون آخر وإن كان يعتبر لائحة تنفيذية للقانون رقم ٢٤ لسنة ١٨٧٢م، فقد انصب محتوى هذا القانون على تنظيم الامتحانات لمن يريد التدريس بالأزهر، وجعل علم الأصول اختياريا، وأعطى الحق لشيخ الجامع الأزهر أن يحدد لطلابه المواد التي سيمتحنون فيها، وأن يعطى الطالب مدة لا تزيد على عشرة أيام لمذاكرة مواد الامتحان.

وفي أكتوبر من نفس العام صدر قرار يتناول ضبط أعداد أهل الجامع الأزهر وكيفية تنظيم الدراسة فيه من غياب وحضور الطلاب، وإنشاء سجلات لقيد أسمائهم فيها بغرض ضبط الجراية، وحظر الاشتغال بحرفة أخرى غير طلب العلم، ويسري ذلك أيضا على الجامع الأحمدي بطنطا، وجامع الشيخ سليمان باشا بالإسكندرية.

وعندما تولى الشيخ الإنبابي مشيخة الأزهر للمرة الثانية عام ١٨٨٦م - ١٨٩٦م، قاوم كل تجديد الدرجة أن الحكومة وكلته بكتابة تاريخ الأزهر بالاستناد إلى الوثائق، فلم يؤد هذه المهمة خوفا من تطرقه إلى ما كان يدرس بالأزهر قديما من علوم كالفلسفة والطب والرياضيات والمنطق وعلوم الميقات وتقويم البلدان ... إلخ، مما قد ينبه الأذهان إلى ضرورة إعادة تدريس مثل هذه العلوم - العلوم الحديثة - وهذا ما يعارضه بشدة الشيخ الإنبابي، وأغلبية علماء الأزهر آنذاك.

وفي عهد الشيخ الإنبابي صدر القانون المعروف باسم قانون الشيخ الإنبابي في يناير لعام ١٨٨٨م، وهو يشبه لحد كبير قانون مارس 1885 م، ولا يختلف معه إلا في بعض النواحي المتصلة بزمن الامتحان، وكيفية تدريس بعض الكتب، وما يتصل بأمور كسوة التشريف.

وكان يعتقد الشيخ محمد عبده أنه بإصلاح الأزهر يصلح حال المسلمين، فحاول أن يقنع الشيخ الإنبابي وغيره من علماء الأزهر بإصلاح الأزهر تدريجيا، وذلك بتوسيع مواد الدراسة وإدخال بعض العلوم الحديثة إليه، وقام بوضع خطة مبدئية لإصلاح الأزهر تتلخص في النقاط الاتية:

  1. تعيين مواعيد محددة للدراسة لتحل محل النظام الارتجالي لبعض المدرسين.
  2. ضرورة إجراء امتحان سنوي لكل المواد حتى يتحقق مستوى علمي جيد.
  3. ينبغي للطلبة دراسة أمهات الكتب العظيمة لمشاهير علماء الإسلام بدلا من الشروح والحواشي التي كتبت بمعرفة مدرسين أقل كفاءة.
  4. إدخال العلوم الحديثة ضمن مواد الدراسة.
  5. الحاجة الضرورية لمكتبة مركزية تحل محل مكتبات الأروقة.
  6. تحسين الحالة الصحية في الجامع الأزهر.

وعلى الرغم من تقديمه لهذه الخطة لإصلاح الأزهر الا ان شيوخ الأزهر عارضوه معارضة شديدة، فحاول أن ينال تأييد الخديوي توفيق ولكنه ضن عليه بهذا التأييد.

ولما تولى الخديوي عباس حلمي الثاني (۱۸۹۲ - ۱۹۱2م) حكم مصر، اشتدت في الأزهر حركة الاستياء التي شملت الأساتذة والطلاب، وقام فريق من العلماء في سنة ١٨٩٤م بتقديم عريضة إلى الخديوي عباس حلمي الثاني يعرضون فيها حالة الأزهر، وما وصل إليه من اضطراب وسوء إدارة، ويلتمسون وضع حد لهذه الفوضى، ومن كثرة تغيب طلابه وضعف مستويات تحصيلهم، وهنا سمحت الفرصة أمام الشيخ محمد عبده لإصلاح الأزهر، مستغلا الظروف التي أوجدها طلاب الأزهر وعلماؤه والمتمثلة في استيائهم من حال الأزهر، كما أنه لم يتردد في التقرب من الخديوي عباس حلمي الثاني وكسب رضاه.

ونتيجة لجهود الشيخ محمد عبده الإصلاحية، وبإيعاز منه صدرت الإرادة السنية بتشكيل مجلس إدارة الأزهر الذي تألف من أكابر مشايخه الذين يمثلون المذاهب الأربعة.

في يناير ١٨٩٥م صدر قانون امتحان من يريد التدريس بالجامع الأزهر، ولم يكن هذا القانون من أعمال مجلس إدارة الأزهر، بل من عمل لجنة الفتيا برئاسة ناظر المعارف العمومية، إلا أنه لا يخلو من نفحة من نفحات الإصلاح الجديد التي انبثقت عن فكر محمد عبده، وضع قانون امتحان من يريد التدريس بالجامع الأزهر لعام ١٨٩٥م أمورا كان أهمها:

  • جاء بالمادة الأولى للقانون أن مدة الدراسة بالجامع الأزهر هي اثنتي عشرة سنة.
  • حدد القانون المواد التي يجب أن يجتازها الطالب بأحد عشر علما وفقا لما جاء به القانون رقم ٢٤ لسنة ١٨٧٢م وقانون عام ١٨٨٥م.
  • حدد القانون موادا اختيارية (الحساب والجبر والتاريخ أو غيرها) لمن أراد الاستزادة.
  • يمتاز الطلاب الذين درسوا المواد الاختيارية عن الطلاب الذين لم يقوموا بدراستها في استحقاق الوظائف والمرتبات.
  • أشار القانون إلى منع قراءة الحواشي والتقارير في السنوات الأربع الأولى، ويخير الطلبة والأساتذة بعد السنوات الأربع في النظر في الحواشي، وأما التقارير فتمنع قطعا إلا بقرار من مجلس إدارة الأزهر.
  • أشار القانون إلى توسيع الأوقات المخصصة لعلوم المقاصد (كالتفسير والحديث)، ولا ينصرف الوقت في الوسائل (كالنحو).
  • حدد القانون عدد مرات دخول الامتحان بثلاث مرات، يفصل بعدها الطالب من الأزهر إذا لم ينجح في أداء الامتحان.

ويلاحظ على قانون امتحان من يريد التدريس بالجامع الأزهر لعام ١٨٩٥م أنه كان خطوة لتحديد مدة الدراسة في الأزهر، كما أنه كان أول قانون يحث على دراسة العلوم الحديثة لما فيها من النفع للمسلمين. 

ورغم ذلك فإن بعض المواد الموجودة بقانون امتحان من يريد التدريس بالجامع الأزهر لعام 1895 م لم يعمل بها، فلقد عدت مشيخة الأزهر ومشايخه وطلبته هذا القانون من قبيل الوصايا التي يجوز للشخص أن يعمل بها، وهم يفضلون ألا يعملوا بها لعدم تعودهم العمل بها.

ثالثاً: تطور التعليم الأزهري قبل الجامعي من عام ١٨٩٦م حتى عام ١٩٣٠م:


صدر في هذه الفترة العديد من التشريعات التعليمية التي كان لها أثر في التعليم الأزهري، والتي كانت انعكاسا لحالة الأزهر ومطالب العلماء، ومحاولة لمحاكاة التعليم المقدم في المدارس التابعة لوزارة المعارف، وسنعرض تباعا القوانين التي ظهرت منظمة لبنية التعليم الأزهري على نمط التعليم الحديث.

بنية نظام التعليم الأزهري قبل الجامعي حسب قانون ١٨٩٦م:


أثناء تولي الشيخ حسونة النواوي مشيخة الأزهر صدر قانون الجامع الأزهر العام ١٨٩٦م، وكان من أهم مستحدثات هذا القانون ما يلي:


نظام ومدة الدراسة للتعليم الأزهري قبل الجامعي:


  • حدد القانون مدة الدراسة بالأزهر بحد أدنى اثنتي عشرة سنة، وحد أقصى خمس عشرة سنة لمن يريد أن ينال لقب عالم.
  • كما حدد القانون موعداً ثابتا لبدء وانتهاء العام الدراسي، كما حدد الأيام التي تعطل فيها الدراسة بسبب الأعياد والمواسم قسم القانون الدراسة بالأزهر إلى قسمين:

  1. قسم مدته ثمان سنوات، يحصل بعدها الطالب على شهادة الأهلية، وهي تؤهل حاملها للعمل إماما وخطيبا في المساجد.
  2. قسم مدته اثنا عشر عاما، ويحصل بعدها الطالب على الشهادة العالمية، تؤهل حاملها للانخراط في سلك علماء الأزهر.

أهداف التعليم الأزهري قبل الجامعي:


انحصرت أهداف التعليم الأزهري في تعليم المسلمين الأمور الشرعية، وفهم ونشر علوم الإسلام على وجه يفيد جميع الناس وتخريج علماء الدين.

شروط القبول بالتعليم الأزهري قبل الجامعي:


  • اشترط قانون ١٨٩٦م أن لا يقل من الطالب عن خمس عشرة سنة.
  • أن يكون حافظا لنصف القرآن الكريم على الأقل.
  • أن يكون على دراية بالكتابة والقراءة تؤهله لطلب العلم.
  • أن يجتاز الطالب امتحانا للقبول بمعرفة لجنة تشكل من اثنين من شيوخ الأروقة ورئاسة أحد أعضاء مجلس إدارة الأزهر.
  • من كان كفيفا عليه أن يكون حافظا للقرآن الكريم كاملا.

مواد الدراسة بالتعليم الأزهري قبل الجامعي:


قسم القانون مواد الدراسة إلى:


  • علوم مقاصد؛ وهي علم الكلام وعلم الأخلاق الدينية والفقه وأصوله وتفسير القرآن والحديث.
  • علوم وسائل وهي النحو والصرف، والمعاني، والبيان والبديع، والمنطق، ومصطلح الحديث، والحساب، والجبر، والعروض والقافية، وخلافه من العلوم النقلية والعقلية.
  • جعل القانون دراسة الحساب والجبر والهندسة والإنشاء وغيرها من العلوم - وهي المواد التي لم تكن مقررة رسميا في قانون 1895 م متروكا أمرها لاختيار الطلاب.

نظام الامتحانات للتعليم الأزهري قبل الجامعي:


فرق قانون ١٨٩٦م بين المعايير التي تقوم على أساسها مستويات الدراسة عند امتحان الطلاب، فالعلوم التي يمتحن فيها الطلاب (هي العلوم ذات الصبغة الأزهرية) يراعى عند تقويم مستواه فيها أمران:

1. درجة فهمه لعبارات المؤلفين.
2. درجة تحصيله في هذه العلوم.

وعلى الطالب أن يتقدم بطلب للامتحان لشيخ الأزهر يذكر فيه العلوم التي تلقاها، والمدة التي قضاها، ويرفقها بشهادة تدل على حسن سيرته، وبعد قبول طلب الامتحان يقيد الطالب برقم مسلسل في سجل خاص بطالب امتحان الشهادة الأهلية أو العالمية.

ورغم حرص إدارة الأزهر على إدخال العلوم الحديثة فإنه خشي أن يؤثر ذلك على مستوى العلوم الشرعية والعربية، ويشير إلى ذلك مجلس الأزهر حيث قرر أن " لا يقبل طلب امتحان المكافآت في علم من العلوم الثقافية فقط، بل لابد أن يطلب الامتحان في ثلاثة علوم من العلوم القديمة معه على الأقل، كما قرر قبول من يطلب الامتحان في العلوم القديمة فقط حتى وإن لم يطلب الامتحان في أحد العلوم الثقافية. وأباح الامتحان لجميع الطلاب من غير عدد معين بداية من عام ١٨٩٧م.

وقام بعض النقاد بعد قانون الجامع الأزهر لعام ١٨٩٦م خطوة قصيرة في طريق الإصلاح، ولم يلق هذا القانون ما يجعله يؤدي الغاية المقصودة منه حيث كان يخطو إلى غايته يوما ويتعطل أياما، إلا أن الشيخ محمد عبده اعتبر أن هذه خطوة مهمة في طريقها للإصلاح الحقيقي للأزهر.

نظام التعليم الأزهري قبل الجامعي حسب قانون رقم (1) لسنة ١٩٠٨م:


تولى الشيخ حسونه النواوي مشيخة الأزهر للمرة الثانية خلفا للشيخ عبد الرحمن الشربيني، وصدر في عهده القانون رقم (1) لسنة ۱۹۰۸م الخاص بالجامع الأزهر وما شاكله من المدارس العلمية الإسلامية.

ويعد هذا القانون أول قانون ينظم الأزهر على نحو ما كان متبعا في وزارة المعارف العمومية وقتذاك، فقد ضمن القانون مجموعة من القواعد المتعلقة ببنية النظام التعليمي بالأزهر.

نظام ومدة الدراسة للتعليم الأزهري قبل الجامعي حسب قانون رقم (1) لسنة ١٩٠٨م:


قسم القانون رقم (1) لسنة ۱۹۰۸م مراحل التعليم بالأزهر على النحو التالي:


  1. أولية مدة الدراسة بها أربع سنوات.
  2. ثانوية مدة الدراسة بها أربع سنوات.
  3. عالية مدة الدراسة بها أربع سنوات.

كما قسم القانون رقم (۱) لسنة ۱۹۰۸م اليوم الدراسي إلى ثلاث أو أربع حصص دراسية، وجعل زمن كل حصة ساعتين للمواد الشرعية والعربية، وساعة للمواد الثقافية، وتبدأ الحصة الأولى بعد شروق الشمس بنصف ساعة، والحصة الثانية قبل الظهر بساعتين، والحصة الثالثة بعد صلاة الظهر بنصف ساعة، والحصة الرابعة بعد صلاة العصر، وأجازت اللائحة الداخلية للقانون رقم (1) لسنة ۱۹۰۸م تغيير ميعاد حصة ما قبل الظهر إلى ما بين صلاة المغرب والعشاء.

ويلاحظ على تقسيم الأزهر إلى مراحل على النحو السابق الذكر كان أسوة بما كان عليه تقسيم التعليم التابع لوزارة المعارف آنذاك، وإذا كان بعد تقسيم التعليم الأزهري إلى مراحل تعليمية لم يتم إنشاء مدارس للصغار المبتدئين، فإنه كان في ذلك متأثرا بنظام التعليم الحديث فالمدارس الابتدائية التابعة لوزارة المعارف العمومية كانت تنتفي تلاميذها من بين الملمين بالقراءة والكتابة.

أهداف التعليم الأزهري قبل الجامعي حسب قانون رقم (1) لسنة ١٩٠٨م:


حدد القانون الغرض من الأزهر بحفظ الشريعة الإسلامية، وفهم علومها ونشرها على وجه يفيد جميع الناس، وتخريج علماء يوكل إليهم أمر تعليم الأمور الشرعية، وشغل الوظائف الشرعية في الدولة.

يلاحظ على صياغة الهدف من التعليم الأزهري أنه صيغ في حدود الإطار الديني الذي صارفيه التعليم الأزهري قبل صدور هذا القانون.

شروط القبول للالتحاق بالتعليم الأزهري قبل الجامعي حسب قانون رقم (1) لسنة ١٩٠٨م:


حددت اللائحة الداخلية للقانون رقم (۱) لسنة ۱۹۰۸م شروط قبول الطلاب في المدارس الدينية الإسلامية كما يلي:


  1. أن لا ينقص سنه عن عشر سنين ولا يزيد عن عشرين سنة.
  2. أن يجيد القراءة والكتابة بدرجة تؤهله للمطالعة في الكتب (عدا الكفيف).
  3. أن يكون سليم البنية خاليا من الأمراض المعدية.
  4. أن يكون حافظا لنصف القرآن الكريم على الأقل مع تكليفه بحفظ الباقي أثناء دراسة القسم الأول.
  5. أن يكون حسن السيرة ولم يسبق الحكم عليه بما يخل بشرفه.
  6. كما اشترط القانون رقم (۱) لسنة ۱۹۰۸م فيمن يريد أن يتقدم للدراسة بالمرحلة الثانوية الأزهرية أن يكون حاصلا على الشهادة الابتدائية الأزهرية.
  7. كما أنه ينبغي أن يكون حاصلا على الشهادة الإعدادية الأزهرية إذا رغب في الالتحاق بالمرحلة التالية.

ويلاحظ أن المشرع أخذ في اعتباره السن الصغيرة التي كانت تأخذ بها المدارس الابتدائية التابعة لنظارة المعارف؛ حيث كانت تشترط ألا ي ق قبل التلميذ إذا نقصت سنه عن سبع سنين أو زاد عن عشر سنين، كما يلاحظ أن الثلاث سنوات الزائدة التي أضافها المشرع إلى الحد الأدنى لسن الالتحاق بالمرحلة الأولية من الأزهر بالنسبة لسن الالتحاق بالمدارس الابتدائية التابعة لوزارة المعارف - لازمة لحفظ نصف القرآن الكريم، مع العلم بأن الطالب الوافد لا يشترط فيه أن يكون حافظا للقرآن الكريم.

خطة ومواد الدراسة بالتعليم الأزهري قبل الجامعي حسب قانون رقم (1) لسنة ١٩٠٨م:


المرحلة الأولية الأزهرية:


نصت اللائحة الداخلية للقانون رقم (1) لسنة ١٩٠٨م على أن العلوم التي تدرس في التعليم الأولي الأزهري هي:


  • علوم شرعية وعربية وتشمل التجويد، والتوحيد والفقه والأخلاق الدينية، والسيرة النبوية والحديث، والخط، والإملاء، والنحو والصرف، والإنشاء، وعلم الشعر.
  • علوم ثقافية وتشمل المنطق، والحساب، والتاريخ والجغرافيا، وقواعد الصحة.

ويشير هذا الاهتمام إلى أن الذين اقترحوا تنظيم التعليم الأزهري بتقسيمه إلى مراحل ثلاث - أسوة بما كان متبعا في التعليم التابع لوزارة المعارف كانوا يتجهون إلى الاحتفاظ بخصائص التعليم التقليدي في الأزهر، كما يشير إلى أنهم كانوا يكتفون باقتباس الناحية الشكلية للنظام التعليمي الحديث.

المرحلة الثانوية الأزهرية:


حددت اللائحة الداخلية للقانون رقم (1) لسنة ۱۹۰۸م المواد التي تدرس بالمرحلة الثانوية الأزهرية على النحو التالي:


  • علوم شرعية وعربية: وتشمل الحديث، والتوحيد، والفقه مع حكمة التشريع والتوثيقات الشرعية، والنحو والصرف، والمعاني والبيان والبديع، وأدب اللغة، والإنشاء، وأدب المناظرة.
  • علوم ثقافية: وتشمل الحساب، والجبر، والهندسة، ورسم الأشكال، والتاريخ، وتقويم البلدان، ونظام القضاء والإدارة والأوقاف والمجالس الحسابية، والميقات. على أن يخصص يوم الخميس للخطابة ومحاضرات في فنون اللغة العربية.

ويبدو أن القائمين بوضع هذا القانون قد أخذوا نظام التعليم الحديث باعتباره نموذجا يمكن الاهتداء به في إدخال المواد الثقافية، كمحاولة للتقريب بين النظامين، وتحقيق قدر من الثقافة المشتركة بينهما، إلا أن هذا الأمر كان يلقي عبنا ثقيلا على الطالب الأزهري إذ كان عليه بجانب دراسته للمواد الشرعية والعربية دراسة المواد الثقافية، بالإضافة إلى عدم وجود مدرسين أزهريين متخصصين لتدريس المواد الثقافية، الأمر الذي أدى إلى الاستعانة بمدرسي التعليم الحديث، كما أن صلة الطالب الأزهري بهذه المواد كانت تتقطع بعد التحاقه بالتعليم العالي الأزهري.

وأصبحت المواد الثقافية لها صفة الإلزام تبعا لهذا القانون - والتي كانت اختيارية قبل صدوره - في خطتي الدراسة بالمرحلة الأولية والثانوية، مما شكل عقبة عند امتحان بعض التلاميذ في هذه المواد، وذلك بسبب عدم دراستهم لها، وأصبح هذا يشكل صعوبة في وضع التلاميذ في المرحلة الدراسية التي تناسب مستواهم، فلقد نص القانون على أن تتخذ مجالس إدارة الأزهر وملحقاته الإجراءات اللازمة لاختيار الطلاب.

وقام منفذوا القانون بامتحان جميع الطلاب، ورتبوهم في سنوات الدراسة المختلفة على حسب نتيجة ذلك الامتحان مما أدى إلى وجود اضطراب شديد في محيط الطلاب؛ لأن من الطلاب من تأخر عن سنوات الدراسة ومنهم من تقدم، ونشأ عن ذلك وجود القلاقل إثر تطبيق القانون.

وترتب على وجود اضطرابات بين صفوف الطلاب إلى صدور أمر عال بوقف العمل مؤقتا بالقانون رقم (1) لسنة ۱۹۰۸م بناء على رأي اللجنة التي شكلت لذلك، ورأت الرجوع للعمل بقانون ١٨٩٦م.

ثم شكلت لجنة أخرى بعد الإيقاف بغرض النظر في الوسائل التي يمكن اتخاذها المواجهة الاضطرابات، وقد قدمت اللجنة مجموعة من المقترحات كان أهمها ضرورة دراسة العلوم الثقافية بجانب العلوم الشرعية والعربية مع التدرج في دراسة العلوم الثقافية، ونتيجة لهذه المقترحات صدر القانون رقم (10) لسنة ١٩١١م.

نظام الامتحانات للتعليم الأزهري حسب قانون رقم (1) لسنة ١٩٠٨م:


حدد القانون رقم (1) لسنة ۱۹۰۸م الشهادات التي يمنحها الأزهر بثلاثة أنواع هي:


  1. الشهادة الأولية.
  2. الشهادة الثانوية.
  3. الشهادة العالية.

بذلك تقرر لأول مرة في الأزهر منح الشهادات الثلاث على النحو الذي كان متبعاً في المدارس التابعة لنظارة المعارف العمومية، وعملاً على توحيد مستوى الشهادات التي تمنح في كل من المدارس الدينية الإسلامية والمدارس التابعة لنظارة المعارف العمومية.

كما نصت اللائحة الداخلية للقانون على أنه لا يصح الانتقال من سنة دراسية إلى أخرى إلا بالامتحان في جميع مقررات السنة الدراسية المنتهية، ونصت على أن يكون امتحان الشهادة الأولية في جميع علوم القسم الأولي، وأن يكون امتحان الشهادة الثانوية في جميع علوم القسم الثانوي، كما نصت على أن يكون الامتحان على قسمين: تحريري وشفهي.



انتهى الجزء الأول



للاطلاع على الجزء الثاني للموضوع:








End of Topic



(إيجاد)

(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)



ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة