إعلان الرئيسية

نظام التعليم في سنغافورة والتطور التاريخي له


سنغافورة قصة نجاح استثنائية؛ إذ أنها في أقل من خمسون عاماً تحولت من جزيرة فقيرة معدومة الموارد الطبيعية تقطنها غالبية أمية من السكان إلى بلد يحتضن 4.7 مليون نسمة تضاهي مستويات معيشتهم نظيراتها في الدول الصناعية الكبرى الأكثر تطوراً.

أولاً: التطور التاريخي للتعليم في سنغافورة


لقد نجحت سنغافورة نجاحا باهرة فيما سعت إليه في إصلاح نظام التعليم لديها وتطويره؛ ويجدر بنا أن نذكر بعض الأسباب التي مكنت سنغافورة من تحقيق هذا النجاح الباهر في بناء منظومة تعليمية من الطراز العالمي انطلاقا من أساس هش في هذا الزمن القصير؛ فيما يأتي:

- أسباب نجاح سنغافورة في بناء منظومة تعليمية من الطراز العالمي:


اختار (لي كوان يو: رئيس الوزراء الذي قاد سنغافورة إلى تحقيق هذا الإنجاز منذ البداية كثيرا من الشخصيات الأكفاء في سنغافورة للعمل في الحكومة؛ وبذلك توافر بين يديه فريق عمل ناجح من الدرجة الأولى لصنع القرارات وتنفيذها حيث تلقي كثير من العاملين المدنيين في حكومة سنغافورة تعليمهم في أرقى جامعات العالم» ويحصلون على رواتب تعادل تلك التي يمكن لهم كسبها في القطاع الخاص.

حرص (لي كوان يو) على اطلاع الحكومة على طيف واسع من التجارب العالمية الرائدة والاستفادة منها قبل الشروع في رسم سياسات حكومته بحيث تعكس سياسة سنغافورة تلك السياسات والممارسات الأكثر فاعلية في العالم.

حرص (لي كوان يو) على أن تولي بلاده درجة مماثلة من الرعاية الخاصة لتطوير السياسات الحكيمة وتنفيذها بدقة وتأن في آن معا

ولربما هناك عامل آخر جدير بالذكر تتفوق سنغافورة على معظم البلدان الأخرى من ناحية توخي الحذر الشديد عند النظر في السياسات الجديدة للتأكد من أنها قد صُممت لتتكامل مع السياسات السارية على أرض الواقع؛ أو أن السياسات ذات الصلة كلها تتغير» بحيث تعزز آثار هذه السياسات والممارسات بعضها بعضا بأي حال من الأحوال؛ الأمر الذي يولد أنظمة متينة شديدة الفاعلية؛ هذا الأمر واقعي على نحو لافت في ميدان التعليم في الواقع تعد قصة نظام التعليم في سنغافورة قصة تطور آسيوي ناجحة جدا وهي ليست أقل من معجزة.؛ وذلك بداية مع عام استقلالها ‎1975م؛ حيث كانت الأمية تسيطر على جزء كبير من المواطنين؛ مما أدى إلى قيام حكومة سنغافورة بابتكار وتطوير واحد من أفضل نظم التعليم عالميا إن لم يكن الأفضل؛ وهو سبب ارتقاء الطلبة السنغافوريين للمراتب العالمية العليا مثل دراسة الاتجاهات العالمية في الرياضيات والعلوم (111155) وغيرها من الاختبارات الدولية.

ومع بداية الحكم الذاتي لسنغافورة بعد استقلالها عن ماليزيا عام (1978م)‏ كان على الحكومة الجديدة: ضمان أمنها وتنمية اقتصادها وتطوير نظامها التعليمي الخاص بهاء وقد شهدت هذه المرحلة بناء كثير من المدارس التي التحق بها عدد كبير من الطلبة؛ وجرى توظيف كثير من المدرسين والمدربين» ومع حلول أواخر السبعينيات من القرن الماضي عندما ترسخت سنغافورة بوصفها دولة مستقلة؛ بدأت الحكومة تدرك أن هناك الكثير من الهدر لأن الطلبة كانوا يتركون المدرسة دون إكمال تعليمهم النظامي؛ نظرا لكون المهارات التي تتطلبها الوظائف التي نشأت في ظل الاقتصاد المتنامي لسنغافورة يمكن اكتسابها بسهولة في مواقع العمل.


وذلك أدى إلى نشوء المرحلة اللاحقة من الإصلاحات التي تركز على الجدارة أو الكفاءة. من أواخر السبعينيات حتى أوائل التسعينيات؛ وذلك في محاولة للحد من معدلات الاستنزاف العالية. كانت هذه الإصلاحات تهدف إلى التأكد من تلقي الطلبة التعليم الحقيقي» ومن وضع معايير عالية للتعليم، وقد تحقق ذلك عبر التركيز على المناهج الدراسية وتوحيد الكتب المدرسية؛ والأساليب المتبعة في المدارس» وقد تم إنشاء هيئة تفتيش المدارس واتخذت إجراءات أخرى لضمان اتباع المعلمين للمناهج وأساليب التدريس المكلفين بها مركزيا.

وقد نجحت هذه الإصلاحات بالفعل؛ فارتفعت معدلات تخرج الطلبة في سنغافورة ومع حلول نهاية الثمانينيات؛ اتضح أن تلك الإصلاحات أدت إلى تقليص التحكم من جانب المدارس والمديرين والمعلمين؛ فمديرو المدارس كانوا مجرد مديرين يوجدون في المدارس من أجل تلقي التعليمات من الوزارة؛ وكذلك المعلمون كانوا يدرسون وفق المناهج المقررة؛ ويستخدمون الكتب المدرسية التي تصدر مركزياً لم يكن هناك أي فكرة للابتكار أو لتطوير المناهج الدراسية تجري بمبادرة من المدرس أو المدرسة.

وفي أواخر ثمانينيات القرن الماضي بدأت وزارة التعليم تدرس الكيفية التي يمكن أن يستجيب بها التعليم للاحتياجات المتغيرة التي طرأت نتيجة الاقتصاد القائم على المعرفة وكانت الاستجابة هي في إنشاء عدد من المدارس المستقلة والمتمتعة بإدارة ذاتية ومع حلول منتصف التسعينيات؛ أدركت الحكومة أن وجود عدد قليل من المدارس البارزة لم يكن كافياً على الرغم من أن المدارس المستقلة والمدارس التي تتمتع بإدارة ذاتية كانت تعمل على نحو جيدا.

وقد عرفت المرحلة الثالثة لإصلاح نظام التعليم بسنغافورة باسم النموذج المركز على القدرة؛ التي أطلقت فيها مبادرات إصلاحية عدة كان أولها عام ‎٠9498‏ وهي مبادرة (مدارس التفكير، تعلم الأمة) التي دعت إلى التعاون من أجل تغيير نظام التعليم؛ وتنمية ثقافة التعلم والتفكير العميق؛ وقد قامت مبادرة مدارس التفكير على أربعة مبادئ أساسية:

- المبادئ الأساسية لمبادرة مدارس التفكير:


الأول: الاستناد إلى نوعية جيدة من المعلمين؛ ولذلك اتخذت في أثناء هذه الحقبة تدابير صارمة من أجل رفع مستوى المعلمين بالدرجة الأولى عبر إعادة النظر في أجور المعلمين وعبر مبادرات التطوير المهني المكثفة لتنمية مهارات المعلمين.

الثاني: منحت هذه المبادرة قادة المدارس مزيدا من الاستقلالية» وقد مكنت الاستقلالية الذاتية قادة المدارس والمعلمين من ابتكار أساليب تعليمية تتلاءم مع بيئة مدارسهم على أفضل وجه؛ وتلبي احتياجات طلابهم.

الثالث: تميزت هذه المبادرة بإلغاء نظام التقتيش والرقابة المدرسي؛ واستحداث نموذج التمييز المدرسي أو ( 521/1) مكانه؛ مما سمح لمدارس التفكير بالازدهار، لأن نموذج (/5121) كان نموذجا تقع فيه المسؤولية والتحكم بالتطوير على عاتق المدارس.

الرابع: تقسيم المدارس إلى مجموعات؛ يشرف عليها موجهون مختصون؛ وقد مكن نظام المجموعات المدارس من التفكير في تطوير أساليبها واستحدث برامج جديدة كي تتعلم على نحو احترافي من بعضها مما أدى إلى نمو مهني سريع لكل من المدارس ومعلميها فالبرامج الإرشادية للمجموعات في هذا النظام أتاحت للمعلمين الالتقاء والتحدث عن جهودهم المهنية الخاصة بهم وأصبحت مراكز التميز ومراكز التعلم الأماكن التي يتبادل فيها المعلمون أفضل أساليب التعليم مع نظرائهم؛ مما أدى إلى وضع نظام المصادر المشتركة داخل المجموعة 15118 الذي استخدم برنامج على الإنترنت؛ يضع فيه المعلمون أفضل دروسهم؛ ليجري تبادلها مع الآخرين، وقد شهد برنامج I SHARE تقدما هائلا في الأشهر الثانية عشرة الأولى لإطلاقه؛ حيث وضع المعلمون نحو 70 ألف درس على هذا المنبر التعليمي، وأصبحت ثقافة المشاركة جزء لا يتجزأ من طبيعة المدارس في سنغافورة، وفي عام ٢٠٠٥ م، تم إطلاق مبادرة جديدة، وهي مبادرة (تعليم أقل، تعلم أكثر)، (TLLM)وهي اختصار لكلمة (Learn More Teach Less) ، وكانت هذه المبادرة استمرارا لمبادرة (TSLN)، لكنها ركزت أكثر على طرائق التدريس في الصفوف، وعلى جعل المعلمين يفكرون بطريقة تدريسهم وبما يدرسونه لتحسين عملية تعلم الطلبة في ثقافة المشاركة المفتوحة، مع أنها في الوقت نفسه أكدت على ضرورة التقليل وعلى نحو واع من حجم المحتوى الذي تغطيه المناهج الدراسية، وذلك لإفساح المجال أمام الطلبة للتفكير.

بدأ المعلمون ينظرون بطريقة ما إلى عملهم لابتكار أساليب جديدة للتعليم والتعلم، فامتلاك زمام السيطرة يعود للمعلمين والمدارس، إضافة إلى قادة المدارس الذين يوفرون لهم الدعم اللازم لتحسين طرق التدريس ومشاركة الطلبة، كان يتعين على وزارة التعليم من الناحية المنهجية أن تكون مرنة بما فيه الكفاية، كي تتخلى عن سيطرتها، وتسهل عملية امتلاك القرار عبر تقديم الدعم للمدارس في هذه المرحلة، فقد كان الغرض الأساسي من هذه الإصلاحات هو تعزيز الأساليب المهنية لمهنة التدريس بأكملها.

وبحلول عام ٢٠٠٨ م، تخلت الحكومة السنغافورية عن سياسة فرز الطلبة في فروع مختلفة على أساس قدراتهم، واستعاضت عن ذلك بتقسيمهم إلى ثلاث فرق مختلفة في المرحلة الثانوية، بناء على هدفهم التعليمي النهائي، فعلى الرغم من أن الطالب يتلقى غالبية دروسه ضمن الفرقة التي ينتمي إليها، إلا أنه يمكنه أخذ دروس في فرق أخرى وفقا لقدراته ومؤهلاته، بموجب هذا النظام الجديد، كان 60% من مجموع الطلبة يتلقون دروسا أكاديمية في المرحلة الثانوية العليا.

ثانياً: فلسفة التعليم في سنغافورة:


مما سبق نجد أن عملية رسم السياسات المتعلقة بالتعليم في سنغافورة مرت عبر مراحل متمايزة، حيث تم التركيز في المرحلة الأولى على تعليم مبادئ القراءة والكتابة لسكان البلاد الذين كان كثير منهم أميين سابقا، وفي هذه المرحلة من تطوير التعليم، كانت سنغافورة تبيع اليد العاملة الرخيصة في سوق العمالة الدولية، وكان من المهم للغاية أن تتقن تلك القوة العاملة المبادئ الأساسية في القراءة والكتابة.

في المرحلة الثانية من تطوير النظام الاقتصادي السنغافوري، سعت الحكومة إلى تحويل ميزتها التنافسية في سوق العمالة الدولية من انخفاض تكلفة اليد العاملة إلى التركيز على النوعية، بحيث تجاوزت المنافسة على جذب الشركات التي تعمل في سنغافورة إلى استقطاب تلك التي تدفع رواتب مجزية.

ومن ثم تحول التركيز في السياسة التعليمية من محو الأمية إلى توفير الجودة وتشجيع الطلبة على إكمال تعليمهم، وغدا الارتقاء بالطلبة جميعا إلى معايير التعليم العالمية نور السياسة التعليمية، ففي هذه المرحلة من مراحل تطور نظام التعليم، تم إدخال عملية تقسيم الطلبة في فروع مختلفة في ختام الصف الرابع، وذلك وفقا لأدائهم في لغاتهم الأم، بحيث أتيح للمعلم رفع مستوى التدريس، ليناسب درجة إتقان الطالب، لكن ما حدث عقب تنفيذ إصلاحات هذه المرحلة أن أداء طلبة الفرع الأدنى في هذا النظام تفوق على متوسط أداء الطلبة في الدول الصناعية، وهذا بحد ذاته إنجاز رائع، لقد قدم (معهد تطوير المناهج الدراسية في سنغافورة) الدعم لتطوير الفروع المختلفة، وذلك بتوفير مواد تعليمية ملائمة وعالية الجودة، وجرى تطوير المناهج الدراسية في معظمها، بحيث تلبي متطلبات التنمية الاقتصادية في البلاد.

ثالثاً: أهداف التعليم في سنغافورة:

أما عن أهداف التعليم في سنغافورة، تتلخص فيما يلي:


  • تشكيل مستقبل الأمة عن طريق تشكيل الأشخاص الذين سيحددون مستقبلها.
  • تزويد الأطفال بتعليم متوازن، وتطورهم لاستغلال كامل إمكاناتهم، وتنشئتهم ليصبحوا جميع الأطفال في مواطنين صالحين، واعين بمسؤولياتهم تجاه عائلاتهم ومجتمعهم وبلادهم.
  • يسعي نظام التعليم في سنغافورة إلى رعاية كل الأطفال ومساعدتهم واكتشاف مواهبهم، وإدراك كامل إمكانياتهم، وتنمية شغفهم بالتعلم مدى الحياة.
  • تهدف السلطات الوطنية إلى إنشاء الرغبة لدى الشباب في التفكير بطرق جديدة، وحل المشكلات، وإيجاد فرص جديدة للمستقبل.
  • مساعدة الشباب على اكتساب قيم صحيحة وتطوير شخصية قوية لمواجهة التحديات المستقبلية.
  • يسعى التعليم الوطني إلى تعزيز روابط قوية بين الطلبة وتطوير حس عميق لديهم بالانتماء والالتزام بالعائلة والمجتمع والوطن.

وعلى ضوء تلك الأهداف، فإن الفرد الذي يرتاد المدرسة في نظام التعليم في سنغافورة يجد النتائج المرجوة من التعليم إذا:

  • يتحلى بدرجة جيدة من الوعي الذاتي ولديه بوصلة أخلاقية سليمة، ويتمتع بالمهارات والمعارف اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل.
  • يتحمل مسؤولية أسرته ومجتمعه وأمته، ويقدر جمال العالم من حوله، ويمتلك عقلا وجسدا سليمين، ويشب على حب الحياة يصبح شخص واثق من نفسه، يملك حساً قويا للتمييز بين الخطأ والصواب، يتحلى بالمرونة والقدرة على التكيف، يعرف نفسه حق المعرفة، قادر على إطلاق الأحكام الصائبة، صاحب تفكير مستقل ونقدي، يتواصل مع الآخرين بصورة فاعلة.
  • متعلم موجه ذاتيا ينهض بمسؤولية عملية تعلمه، ويطرح الأسئلة، ويتفكر مليا، ويثابر في السعي إلى التعلم.
  • مساهم نشيط قادر على العمل بفاعلية ضمن الفريق، يأخذ زمام المبادرة، ولا يتهيب المغامرة المدروسة، يتحلى بروح الابتكار، ويسعى جاهدا لتحقيق التميز.
  • مواطن يهتم بمصلحة وطنه سنغافورة ومتجذر بأرضه، يملك وعيا مدنيا قويا، وهو على اطلاع بما يجري حوله، ويقوم بدور فاعل في تحسين حياة الآخرين من حولها.
  • إن الأهداف والمخرجات المرجوة للتعليم هي الصفات التي يطمح المعلمون أن تكون لدى كل سنغافوري عند استكمال تعليمه الرسمي، وهذه المخرجات تشكل هدفا مشتركة للمعلمين، وتوجه السياسات والبرامج، وتسمح بتقرير مدى جودة سير نظام التعليم.

رابعًا: إدارة التعليم وتمويله في سنغافورة:


عند محاولتنا فهم النجاح الباهر الذي حققته سنغافورة، من المهم أن تتذكر ميزة صغر حجم سنغافورة، إذ يعد نظام التعليم الوطني في سنغافورة أشبه بنظام تعليم في مدينة أو دولة صغيرة، حيث لا يتجاوز عدد الطلبة ٥٢٢ ألفا موزعين في 360 مدرسة، هذا إلى جانب قدرة الحكومة في انتهاجها لسياساتها على منح وقت كاف لتمحيص آثارها وتقويمها، وذلك بفضل الاستقرار السياسي والإجماع الشعبي الواسع على أهداف العملية التربوية، وتبلغ درجة التكامل بين المؤسسات المختلفة في سنغافورة مستوى نادر على الصعيد العالمي، حيث يشترك كبار القادة في الوزارة والمعهد الوطني للتربية والتعليم والمدارس في تحمل أعباء المسؤولية والمساءلة، وتكمن قوتها الفذة في تجنب الإعلان عن أي سياسة تربوية من دون خطة واضحة لبناء القدرات المناسبة لها، ويكاد يغيب التباين بين المدارس المختلفة.

وقد استطاعت سنغافورة ترسيخ موقف للتحسين المستمر، وطورت الآليات اللازمة لذلك، والتي يجري العمل على تنفيذها بصورة مستمرة، إلى جانب التكامل مع الخطط الاقتصادية، وذلك أدى إلى حدوث التحولات الكبرى في الأهداف التعليمية عبر المراحل الثلاث المتمايزة.

تحدد وزارة التربية والتعليم جميع الأهداف التعليمية الوطنية والمبادئ التوجيهية للمناهج التعليمية وتكون هي المسؤولة عن تعيين المعلمين على نحو مباشر من المعهد الوطني للتعليم ويجري تقسيم المدارس إلى مجموعات جغرافية بقصد تقديم الدعم المحلي لسياسات ومبادرات التعليم الخاصة بالوزارة، ويمكن لهذه المجموعات أن تساعد على تحديد الكيفية التي سيتم بها تطبيق المناهج، ويمكنها أيضا أن تختار المواد التعليمية على الرغم من أن الوزارة هي التي تضع التوصيات، ويكون المديرون المشرفون على هذه المجموعات، وهم مديرون سابقون ناجحون، مسؤولين عن قيادة المديرين وعن تسهيل تبادل الموارد وأفضل أساليب التدريس بين مدارس المجموعة.

وتمتلك وزارة التعليم مقدارا كبيرا من السلطة يخول لها الإشراف على الأسلوب الذي يقدم فيه المنهج، حيث إنها شجعت التحول من التعليم القائم على محاضرات المدرس، والحفظ من الطلبة، إلى التعليم الذي يؤكد على المشاركة والإبداع من قبل الطلبة، ويلتقي مسؤولو الوزارة على نحو منتظم مع مديري المدارس، ويطورون سلسلة شاملة من فرص التطوير المهني للمعلمين مع إطلاق النظام الجديد، لكن، في السنوات الأخيرة، سعت الوزارة إلى التخفيف من سلطتها على المنهج، وتشجيع المدارس على اعتبار المنهج إطار عمل، والتكيف والعمل ضمن إطار العمل لتلبية حاجات طلابهم.

ويجري تشجيع الطلبة أيضا على العمل الجاد من خلال نظام EduSave التحفيزي، الذي يكافئ الطلبة على أدائهم المميز في كل من العمل الأكاديمي وغير الأكاديمي، وتمتلك الحكومة صندوقا بقيمة أربعة مليارات دولار أمريكي مخصص لهذه المنح، إذ يحصل الطلبة الذين يكونون عادة ضمن أفضل 10% في صفوفهم على منح صغيرة تقدر بنحو 400 إلى 600 دولار أمريكي. أما المنح الأكبر فتكون المتاحة عبر الجوائز التحفيزية التي يقدمها نظام EduSave.

يتمتع جميع الأطفال في سنغافورة بحق الحصول على التعليم المجاني، وتتلقي جميع المدراس قدرة معينة من التمويل العام، وتقوم الحكومة المركزية بإدارة هذا التمويل على نحو مباشر، تصنف المدراس في سنغافورة إما بوصفها مدارس حكومية أو مدعومة حكوميا، حيث يجري تمويل المدراس الحكومية على نحو كامل، في حين أن المدارس المدعومة – وهي المدارس الدينية عادة تحصل على دعم حكومي جزئي، مع أن هذا الدعم يمكن أن يصل إلى أكثر من 90 % من إجمالي إراداتها، كلتا هاتين الفتتين يمكن أن تضم عددا من المدارس التي تصنف على أنها حرة أو مستقلة، حيث يتم تخصيص تمويل حكومي إضافي لدعم هذه الفئات الفرعية لتوسيع مواردها ومناهجها الدراسية.

تمول وزارة التعليم في سنغافورة مرحلة التعليم الابتدائي العام إلى مرحلة التعليم الثانوي، ويكمن الاختلاف الرئيس بين المدارس في درجة الإدارة الذاتية التي تتمتع بها كل مدرسة من خلال إدارة ميزانيتها، وهيئة موظفيها، ومعايير رسوم القبول والمناهج الدراسية، ويتولى القطاع العام رعاية تعليم ما قبل المرحلة الابتدائية، إذ إن تعليم رياض الأطفال ليس تعليما إلزاميا، وهناك ممولون متنوعون له، مثل: الهيئات الدينية، والمنظمات الربحية، والمؤسسات التي توفر بصورة شائعة هذا النوع من التعليم الذي يشار إليه بوصفه رياض الأطفال أو مراكز لرعاية الأطفال، ويسجل ديوان وزارة التعليم جميع دور الحضانة و رياض الأطفال، في حال تدفع وزارة تنمية المجتمع والشباب والرياضة رسوم التراخيص.

تأتي ميزانية التعليم في سنغافورة في المرتبة الثانية مباشرة بعد الإنفاق على الدفاع، فقد منحت مستويات الإنفاق الكبيرة على التعليم سنغافورة بنية تعليمية مثيرة للإعجاب على نحو كبير، إذ بالإمكان عدم مقارنته بأي من أنظمة الدعم التعليمية عالميا، وقد أثير الاهتمام بشأن تطوير أساسيات التعليم الضرورية، مثل نوعية عالية للقيادة، وبرامج احترافية للتنمية وإعداد المعلمين، وتغيير المناهج الدراسية، وطرق التعليم والتقييم، وتقدير ومكافأة الإنجازات المدرسية.

وتوفر وزارة التعليم مساعدة مالية للطلبة السنغافوريين المحتاجين في المدارس الحكومية أو ما شابهها، حيث يستطيع جميع الطلبة بغض النظر عن خلفياتهم المالية الاستفادة من أفضل فرص تعليمية، وتوفر الوزارة أيضا معونات مالية من أجل الرسوم المدرسية للطلبة الذين ينتمون لعائلات الدخل المحدود والمتوسط في المدارس المستقلة باستثناء المدارس التي تمتلك برامج تمويل ذاتي.

وتلتزم حكومة سنغافورة بتكريس مبدأ العدالة والمساواة ونظام احترام الكفاءات في نظامها التعليمي، إذ تتلقي جميع المدارس دعما ماليا أساسيا من وزارة التعليم، والغالبية العظمى من المدارس الممولة من القطاع العام في مدارس حكومية (أي 76 % من مدارس التعليم الابتدائي و 47.7% من مدارس التعليم الثانوي)، وهي تلبي حاجة أغلب الطلبة في سنغافورة.

خامساً: تنظيم التعليم ومراحله في سنغافورة:


تترجم النتائج المرجوة من التعليم إلى مجموعة من النتائج التنموية لكل مرحلة رئيسة من نظام التعليم في سنغافورة، وتعبر نتائج المراحل الأساسية عن الطموحات التي تعمل دوائر التعليم على تنميتها في الطلبة عبر مراحل التعليم الابتدائية والثانوية والمرحلة ما بعد الثانوية، تبني كل مرحلة تعليمية على المراحل التي سبقتها، وتشكل أساسا للمراحل اللاحقة، فعلى سبيل المثال: يبدأ طلبة المرحلة الابتدائية بتعلم معرفة سنغافورة وحبها، وذلك يعزز انتمائهم لوطنهم، ويطلعهم على الأمور التي تعنى بها سنغافورة مع وصولهم إلى المرحلة الثانوية، وبذلك يترعرع الطالب على الفخر بسنغافورة وفهم مكانتها في السياق العالمي في المرحلة ما بعد الثانوية، إذا ما نظرنا إلى هذه النتائج مجتمعة اتضحت لنا صورة ما تطمح سنغافورة إلى تطويره في الشباب من أجل إرساء الدعائم المتينة التي تمكنهم من النمو بقوة وتحقيق النجاح في الحياة بوصفهم أعضاء مساهمين في المجتمع.

يتبع نظام التعليم في سنغافورة مسار ٦-٢-۲ ، ست سنوات في المرحلة الابتدائية، وسنتان في كل من المرحلتين المتوسطة والثانوية، وجرى تطبيق خطة توفير ست سنوات من التعليم الابتدائي المجاني للأطفال في سنغافورة من مختلف الخلفيات العرقية والدينية منذ عام ١٩٧٤، وأصبحت هذه المرحلة من التعليم الزامية منذ شهر كانون الثاني عام ٢٠٠٣، حيث يتوافر من التعليم الإلزامي للأطفال فوق ، و دون 15 عاما، وتترتب عقوبة على أولياء الأمور الذين يمتنعون عن إرسال أطفالهم للمدرسة بدفع غرامة مالية مقدارها 5000 دولار سنغافوري أو بالسجن مدة عام كامل أو بكلتا العقوبتين معا، لكن يحرص جميع أولياء الأمور على تعليم أطفالهم مدة 10 سنوات؛ لأنهم يدركون أهمية التعليم للطفل، تتبع سنغافورة نظام تعليم تنافسي بهدف توفير فرصة متساوية في التعليم للجميع بغض النظر عن مجموعاتهم العرقية أو مكانتهم الاقتصادية والاجتماعية.

- مراحل التعليم الأساسي في سنغافورة:


يتكون النظام التعليمي من ست سنوات للمرحلة الابتدائية، وأربع سنوات للمدرسة الثانوية (التي تطلق عليها معظم البلدان الأخرى المدرسة الثانوية الدنيا، وتنتهي في سنغافورة عند سن ١٦)، ومن سنة إلى ثلاث سنين من المدرسة ما بعد الثانوية (التي تطلق عليها معظم الدول الأخرى المدرسة الثانوية العليا)، والتي تكون أعمار الطلبة عندها ما بين ۱۷ و ۱۹، ويمكنهم الاستمرار إلى التعليم العالي، إما في الجامعات أو في معاهد التعليم المهني، ومن أهم مراحل التعليم في سنغافورة ما يلي:


1- المرحلة التمهيدية:


وتتكون المرحلة التمهيدية من دور الحضانة: التي تستقبل الأطفال حتى سن ثلاث سنوات، ومن رياض الأطفال: التي تستقبل الأطفال في سن أربع وخمس سنوات، ولا يعد تعليم ما قبل المرحلة الابتدائية جزء من نظام التعليم الرسمي في سنغافورة، وتموله عادة منظمات خاصة، ويجب أن تسجل دور الحضانة ورياض الأطفال هذه ومعلموها في وزارة التعليم في سنغافورة.

وقد طورت وحدة نظام تعليم رياض الأطفال لوزارة التعليم هيكلية ومجموعة من المواد المنهج رياض الأطفال، حيث تشمل النتائج المنشودة من هذا المنهج عادات صحية أفضل، ومهارات اجتماعية مطلوبة، وتناسقا بدنيا، والمهارات الأساسية للاستماع والحديث.

وتتكون المرحلة التمهيدية من ثلاثة مستويات، يتضمن كل مستوى أنشطة تطور المهارات الأدبية واللغوية، والمبادئ الأساسية للأرقام والعلوم، والمهارات الاجتماعية ومهارات الإبداع وحل المشكلات، وتذوق الموسيقى، والحركة واللعب في الخارج، ويتعلم الأطفال لغتين؛ الإنجليزية بوصفها لغة أولى، والصينية أو المالايو أو التاميل بوصفها لغة ثانية.

أما أهداف التعليم في هذه المرحلة: فينبغي أن يكون الأطفال في نهاية هذه المرحلة قادرين على معرفة الصواب والخطأ، راغبين في المشاركة والقيام بأدوار مع الآخرين، يمكنهم التواصل والاتصال بالآخرين، فضوليين ولديهم القدرة على الاستكشاف، قادرين على الاستماع والكلام مع الفهم، سعداء ومرتاحين، قد اكتسبوا التناسق البدني والعادات الصحية، يحبون عائلاتهم وأصدقاءهم ومعلميهم وروضاتهم. يجدر أن نذكر أنه يحضر 99% من الطلبة في روضة الأطفال، من سنة إلى ثلاث سنين.

2- المرحلة الابتدائية:


يتكون التعليم الابتدائي من ست صفوف: أربعة صفوف تأسيسية (من الأول إلى الرابع) وصفان توجيهيان (الخامس والسادس)، ويهدف التعليم في هذه المرحلة على نحو عام إلى إعطاء الطلبة فهما جيدا للغة الإنجليزية واللغة الأم والرياضيات، وهو إلزامي ومجاني في السنوات الستة عند إتمام الصف السادس، يتقدم التلاميذ لامتحان وطني يسمى امتحان مغادرة المرحلة الابتدائية PSLE، ويهدف هذا الامتحان إلى تقرير مدى ملاءمة التلميذ للتعليم الثانوي ووضعهم في المنهج الثانوي المناسب لمستواهم الدراسي وقدراتهم وميولهم.

وفي ختام المرحلة الابتدائية، يجب على الطالب أن:

- يكون قادرا على التمييز بين الخطأ والصواب.

- يعرف نقاط قوته ومجالات النمو والتطور المحتملة.

- يكون قادرا على التعاون والمشاركة وإظهار الاهتمام بالآخرين والتعاطف معهم.

- يمتلك حسا فضوليا قويا للتعرف إلى الأشياء من حوله.

- يكون قادرا على التفكير والتعبير عن نفسه بكل ثقة.

- يفخر بعمله و بطور عادات سليمة ووعيا بالفنون.

- يعرف سنغافورة، ويعشقها.

3- المرحلة الثانوية:


يجري قبول الطلبة في المرحلة الثانوية بحسب أدائهم في امتحان مغادرة المرحلة الابتدائية PSLE، ويتكون النظام التعليمي في سنغافورة من أربع سنوات للمدرسة الثانوية (التي تطلق عليها معظم البلدان الأخرى المدرسة الثانوية الدنيا، وتنتهي في سنغافورة عند سن 16(، ومن سنة إلى ثلاث سنوات من المدرسة ما بعد الثانوية (التي تطلق عليها معظم الدول الأخرى المدرسة الثانوية العليا، والتي تكون أعمار الطلبة عندها ما بين 17 و19عاما، ويمكنهم الاستمرار إلى التعليم العالي، إما في الجامعات أو في معاهد التعليم المهني)، بعد مغادرة المدرسة الابتدائية، يكون أمام الطلبة خيارات عدة، حيث يجري توزيعهم على مجموعات بناء على أدائهم في امتحان مغادرة المدرسة الابتدائية، (PSLE)

لقد حققت سنغافورة جميع مقاييس التعليم العالمي تقريبا بالنسبة إلى التعليم الابتدائي والثانوي، فمنذ عام ٢٠٠١، كان المعدل الصافي للتسجيل في المدارس الابتدائية 94%، وفي المدارس الثانوية 93%، وعلى ذلك، فإن الأطفال غير المسجلين في المدارس الوطنية لا يمثلون إلا نسبة صغيرة جدا

4- التعليم المهني:


على الرغم من أن سنغافورة باتت تفتخر بكونها صاحبة أحد أقوى الأنظمة المدرسية في العالم عند إجراء المقارنات المتعلقة بالتحصيل الدراسي على المستوى الدولي، فإن هذا لم يحدث على حساب التعليم المهني والتقني، الذي يشكل مجالا آخر لتفوقها، لقد أدرك واضعو السياسات في الحكومة المركزية جيدا عجزهم عن تحقيق الأهداف الاقتصادية للبلاد ما لم يوفروا للشركات الرائدة في العالم فنيين مدربين أفضل تدريب ، يمتلكون مهارات تمكنهم من المنافسة عالميا في مختلف المجالات بدء بأنظمة التشغيل الآلي للمصانع وانتهاء بإدارة نظم الكمبيوتر، ففي ثمانينيات القرن العشرين دعت سنغافورة عددا من الدول الصناعية الأكثر تقدما في العالم لتأسيس مدارس متخصصة في التدريب الصناعي للمرحلة الثانوية العليا في ذلك البلد على نفقة حكوماتها الخاصة، وقد تم إنشاء بعضا من هذه المدارس، وبها برامج تم توحيدها منذ ذلك الحين تحت رعاية معهد نانيانغ التقني الفني (البوليتكنيك) الذي أصبح منذ ذلك الحين محورا لبرنامج التدريب والتعليم التقني من الطراز العالمي في سنغافورة، فقد أضحت سنغافورة اليوم موطنا لأحد أكبر مواني العالم وأكثرها ازدحاما، كذلك تعد أحد مراكز الاتصالات الرئيسة في العالم، إلى جانب ريادتها في مجال الإلكترونيات الاستهلاكية والمواد الدوائية والخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات.

6- تعليم الراشدين:


يشجع الراشدون الذين لم يتابعوا التعليم ما بعد الثانوي عند التخرج في المدرسة الثانوية على الحصول على درجة أو شهادة لاحقة في مسيرتهم المهنية، وقد أجرت الحكومة السنغافورية أخيرا كثيرة من التغيرات في البرامج التي تمنح شهادات أو درجات ذات الدوام الجزئي في المدارس المهنية والجامعات، لكي تجعل الأمر أسهل على الراشدين الذين يعملون بدوام كامل لكي يعودوا للمدرسة، وقد جرى مراجعة البرامج لكي تصبح المحكمة وجزيئية أكثر، وكثير منها شهد تقليصا حادا في ساعات المقرر (أحيانا ما يقرب من 50 %)، وكثير منهم أيضا يقبلون الآن مؤهلات غير أكاديمية، مثل مؤهلات مهارات القوى العاملة، ومؤهلات معرفة القراءة والكتابة والرياضيات عند قبول المتقدمين. ورفعت الحكومة أخيرا مستوى الدعم الحكومي لنفقات الدراسة للطلبة الراشدين.

7- مشاركة الآباء في العملية التعليمية:


تشجع وزارة التعليم في سنغافورة فعليا الآباء على المشاركة في مبادرات التعليم العام بالتعاون مع المدارس، ويهتم الآباء السنغافوريون على نحو واضح بأداء أبنائهم، لأن التعليم يحظى بقيمة عالية في سنغافورة، وتقوم جميع المدارس الابتدائية في سنغافورة بتزويد أولياء الأمور بتقارير كتابية، وتطلب إليهم الالتقاء بالمعلمين في مدد معينة في أثناء وجود طفلهم في مرحلة التعليم الابتدائي، وتعقد المدارس على نحو متزايد اجتماعات مع أولياء الأمور حول التطورات في المناهج الدراسية الجديدة، وتشجعهم على المشاركة في جمع التبرعات وفي الأنشطة الاجتماعية لمدارس أبنائهم، وعلى تقديم المساعدة المنزلية لأطفالهم، إضافة إلى تعاون الآباء مع مدارس أبنائهم، يشجع كثير من الآباء أبناءهم على الالتحاق بمدارس خاصة تقدم خدمة الدروس الخصوصية خارج الدوام المدرسي المعتاد.

تعتقد الحكومة السنغافورية أن الظروف المحيطة، مثل الأسرة التي يشرف عليها أحد الوالدين دون الآخر، يمكن أن تؤثر في أداء الطالب، لذلك أسست الحكومة مجالس للمجتمع المحلي مسؤولة عن التعرف على العائلات المحتاجة، وتقديم المساعدة والدعم بأشكال عدة.

- المنهج الدراسي في سنغافورة:


تشرف وزارة التعليم في سنغافورة على تطور المنهج الوطني، الذي يضم النتائج المرجوة من التعليم والنتائج المرجوة في تفوق الطالب في مهارات الحياة، ومهارات المعرفة المصنفة في ثماني مهارات وقيم أساسية، هي: تطوير الشخصية، ومهارات الإدارة الذاتية، والمهارات الاجتماعية والتعاونية، وإتقان القراءة والكتابة والحساب، ومهارات التواصل، ومهارات المعلومات، ومهارات التفكير والإبداع، ومهارات تطبيق المعرفة.

يركز منهج المدرسة الابتدائية على ضمان أن يحوز الطلبة فهما وإدراكا جيدا للغة الإنجليزية، واللغة الأم (التعليم في اللغة الأم متوافر للطلبة الذين يتكلمون الصينية، ولغة الملايو، ولغة (التاميل)، والرياضيات، إضافة إلى كثير من عناصر المنهج الإضافية التي منها:

التربية المدنية والأخلاقية، والرعاية الأبوية للمدرس، والإرشاد المهني والتربية الوطنية والتربية الرياضية، وأما العلوم والدراسات الاجتماعية فهي مدمجة في المراحل اللاحقة للتعليم الابتدائي.

وركزت سنغافورة على الارتقاء الشامل بمهارات الطلبة في الرياضيات والعلوم والمواد التقنية، ويبدو أن الأساس المتين للطلبة جميعا في صفوف المرحلة الابتدائية كافة في مادة الرياضيات والعلوم يؤدي دوره جوهريا في نجاحهم في مراحل لاحقة، إذ تدخل الرياضيات والعلوم في صميم مراحل التعليم الابتدائية والثانوية، حيث يكلف كل طالب بدراستها، ويبدأ تعلم الرياضيات مع دخول الطلبة الصف الأول الابتدائي، أما تدريس العلوم فيبدأ في الصف الثالث الابتدائي، ويتعلم الطلبة على يد معلمين متخصصين في الرياضيات والعلوم بدءا من المرحلة الابتدائية.

ويركز المنهج الوطني للعلوم في سنغافورة في الصفوف الابتدائية والثانوية الدنيا على تطوير فكرة العلوم على أنها حب الاطلاع في ثلاثة مجالات:

أ) المعرفة والفهم والتطبيق.            ب) المهارات والعمليات.                ج) الأخلاق والمواقف.

وتجري مراجعة المنهج الدراسي كل ست سنوات مع مراجعة بسيطة كل منتصف فصلي دراسي بعد ثلاث سنوات من قبل لجان تعينها وزارة التعليم ، وأصبحت سنغافورة مشهورة على نحو خاص في تدريسها مادة الرياضيات، وتصدر حاليا «الرياضيات السنغافورية» إلى بلدان أخرى، منها الولايات المتحدة، وقد طورت المقاربة السنغافورية للرياضيات في الثمانينيات من القرن الماضي، وتتركز على التمكن من المفاهيم الرياضية الرئيسة، ويكون دور المدرس في أن يغرس الحس الرياضي في الطلبة، بحيث يعرفون كيف يحلون مسائل رياضية غير مألوفة دون أن يكونوا قد تدربوا عليها مسبقا، ويعتمد المعلمون على الأدوات البصرية، ويعتمدون أسلوب أنه لا يوجد طريقة واحدة صحيحة.

من ملامح التجربة التعليمية في سنغافورة لحل مشكلة ما. ونتيجة لذلك، يمتلك الطلبة السنغافوريون الذين يغادرون الصف السادس المهارات نفسها تقريبا التي يمتلكها الطلبة الأمريكيون الذين يغادرون الصف الثامن، وقد أطلعوا مسبقا على المفاهيم الأساسية في الجبر والهندسة، ويتلقى كل المعلمين السنغافوريين التدريب في منهج الرياضيات الفريد هذا، حيث يستفيد التعليم في العلوم والإنسانيات من دروس منهج الرياضيات السنغافوري، وينظر للتعليم على أنه شكل من التقصي، ويدعم المعلمون فكرة أنه لا يوجد جواب واحد صحيحا، خاصة في الفروع المعرفية الأكثر إبداعية، مثل: الإنسانيات. ويشجع الطلبة على النظر إلى المواد النظرية على أنها مفيدة خارج المدرسة، ولهذا يولي المعلمون اهتماما خاصا كيف يمكن أن تؤثر المفاهيم العلمية في الحياة اليومية.

- سادساً: إعداد المعلمين وتدريبهم في سنغافورة:


يلتزم التعليم ببناء المعلمين بوصفه قوة مهنية عالية الجودة، ومثالية في السلوك والالتزام، ذات مهارات ومعرفة حديثة، وعلى المعلمين أن يكونوا على اطلاع مستمر بالتطورات المهنية في مجالات عملهم، ويطبقوا بحكمة النظريات والممارسات الجديدة في الفصل الدراسي.

وتأتي الجودة العالية للقوة العاملة في سنغافورة اليوم نتيجة استراتيجيات مدروسة، ولاسيما تلك التي يرجع تاريخها إلى تسعينيات القرن العشرين، فمنذ ذلك الحين، شكل المعلمون والقادة التربويون المتمرسون في المدارس حجر الزاوية في بناء نظام التعليم، لقد طورت سنغافورة نظاما شاملا لاختيار المعلمين ومديري المدارس وتدريبهم والتعويض لهم وتطويرهم مهنيا في أن معا بدلا من التركيز على عنصر واحد فقط، وذلك أسهم في توليد قدرة هائلة عند ممارسة التعليم.

تختار سنغافورة مدرسيها من الثلث الأفضل من خريجي المدرسة الثانوية، ويقبل واحد فقط من كل ثمانية متقدمين للقبول في برنامج إعداد المعلمين، وذلك فقط بعد عملية انتقاء شاقة ومرهقة، وبالنسبة إلى أولئك الذين يحظون بالقبول، الذي يتضمن الكثير من الخطوات والإجراءات والمقابلات الصارمة مع لجان الاختبار التي تركز على الميزات الشخصية التي تكون مدرسا جيدا، إضافة إلى مراجعات مركزة لسجلهم الأكاديمي، ومساهماتهم تجاه مدرستهم ومجتمعهم، فالتدريس مهنة محترمة جدا في سنغافورة، ليس فقط لأن تقدير المعلمين هو جزء من الثقافة الكونفوشوسية، بل لأن الجميع يعرفون كم هو صعب أن يصبح المرء مدرسا والكل أيضا يعلم أنه بفضل مدرسي سنغافورة يتبوأ طلبة سنغافورة أعلى المراتب في العالم.

وعلى الرغم من أن الرواتب الأساسية للمعلمين ليست عالية على نحو بارز مقارنة بدول عدة أخرى عالية الأداء، إلا أنها عالية كفاية لتجعل الأجر اعتبارا غير مهم للطلبة الذين يرغبون في مهنة التعليم مقابل مهن أخرى، وهم في صدد اختبار المهنة التي سيزاولونها مستقبلا، وتتمنع سنغافورة أيضا بنظام علاوات سخي، يعزز أجور المعلمين بعشرات الآلاف عبر مسيرتهم المهنية، والعلاوات قائمة على نظام تقويم للمدرس معقد إلى حد ما في سنغافورة، الذي يقوم فيه المعلمون سنويا في 16 مجالا، منها الإسهامات التي يقدمونها للمدرسة والمجتمع.

وبعد إجراءات اختبار المعلمين في نظام التعليم في سنغافورة من الإجراءات الأكثر فاعلية، إذ تولي اهتمام شديدة للإنجازات الأكاديمية للمرشحين من المعلمين ومهاراتهم في التواصل وحافزهم للتعليم.

وعندما يجري اختيارهم، يعلنون رسميا من قبل وزارة التعليم، وتدفع هي الأجور في أثناء مدة تدريبهم، بإمكان سنغافورة (وهذا ما تفعله) إنفاق مبالغ كبيرة على تدريب المعلمين أكثر مما تنفقه نظم التعليم الأخرى، كل هذا يجعل تدريب المعلم عملا جذابة وحالة مرموقة في سنغافورة، وهذا بدوره يجعل عمل المعلم حرفة تتمتع بمكانة مرموقة وجذابة.

وتعد رواتب المعلمين في سنغافورة متساوية إلى حد بعيد مع المهن الأخرى، ويبلغ الحد الأقصى لأجر مدرس الثانوية الدنيا ضعف معدل إجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد، وهذا يشير إلى أن أجر المدرس قوي عموما، وترصد وزارة التعليم رواتب المعلمين بالمقارنة مع الرواتب المهنية الأخرى، وتعدها وفقا لذلك؛ لكي تضمن أنها منافسة، ولدى المعلمين الناجحين الفرصة أن يحصلوا على علاوات كعلاوات للأداء يمكن أن تصل إلى 30% من الراتب الأساسي، وتحدد الأهلية لهذه العلاوات عبر تقويمات سنوية صارمة، تعمل أيضا للتدريب والإرشاد بين المعلمين.

ويعد المعهد الوطني للتعليم (NIE المعهد الوحيد لتدريب المعلمين في سنغافورة، وهو قسم من جامعة نانيانغ التقنية، ويهدف المعهد إلى أن يكون معهدا جامعيا عالي المستوى معروفا بتميزه في تعليم المعلمين والأبحاث التعليمية.

ويجب على المعلمين المستقبليين الذين يحملون مسبقا درجة بكالوريوس في فرع معتمد من المعرفة، أن يكملوا واحدة من برامج إعداد المعلمين في المعهد الوطني للتعليم (NIE)، إضافة إلى اجتياز اختبار كفاءة الدخول، ويوجد هناك برامج متنوعة للمرشحين للالتحاق بمهنة التدريس، اعتمادا على مستوى تعليم المرشح عند الالتحاق بالبرنامج، وهذا يعني أنه لا يستطيع المرء أن يصبح مدرسا في سنغافورة دون التمكن من المادة التي سيدرسها على نحو عال، إضافة إلى سنة على الأقل من التعليم المضني في حرفة التعليم، ويحدث هذا المنهج على الدوام ليعكس الحاجات المتغيرة لنظام سنغافورة التعليمي.

وتعمل المدارس السنغافورية تحت مبدأ: إن القيادة الضعيفة هي سبب رئيس لفشل المدارس، وعبر اختيار أفراد موهوبين في وقت مبكر في مسيرتهم المهنية، والاستثمار في تدريبهم وتعليمهم وتطويرهم، ويتضمن هذا التدريب غالبا الترقية إلى منصب رئيس قسم في عمر صغير، والانتداب إلى لجان أكاديمية وإدارية عدة، وإلى مهمات في وزارة التعليم، وحضور مقرر دراسي مدة ستة أشهر في القيادة التنفيذية في المعهد الوطني للتعليم (NIE)

إن نوعية مديري المدارس في سنغافورة متوقفة أيضا على المعايير العالية التي يجب على المتقدمين أن يوفوا بها ليصبحوا معلمين؛ لأن المعلمين يشكلون المصدر الوحيد الذي يختار منه مديرو المدارس، إضافة إلى النوعية العالية جدا للتدريب والدعم اللذين يتلقاهما الأفراد الذين يجري اختيارهم للترقية على سلم القيادة من المؤسسة العامة للتعليم. ويرجع الانسجام بين السياسات والاتساق في تنفيذها على المستوى المؤسساتي إلى العلاقة الوثيقة ثلاثية الأطراف التي تربط بين وزارة التربية والمعهد الوطني للتعليم (NIE)الذي يمثل المؤسسة الوحيدة في البلاد المعنية بإعداد المدرسين والمدارس، تضطلع الوزارة بمسؤولية تخطيط السياسات، في حين يجري المعهد الوطني للتعليم الأبحاث، ويوفر التدريب الضروري للمربين قبل الدخول إلى ميدان العمل، ويرسل المعهد نتائج أبحاثه إلى الوزارة لیستدل بها صناع القرار، ولما كان الأساتذة الذين يدرسون في المعهد يشاركون بانتظام في النقاشات التي تدور في الوزارة وفي عملية صنع القرار، كان من السهل نسبيا أن ينسجم عمل المعهد مع سياسات الوزارة، ومع كون المعهد الوطني للتعليم المؤسسة الوحيدة في سنغافورة التي تعمل على تدريب معلمي المستقبل -كما أسلفنا لكن هناك جهات متنوعة أخرى تسهم إلى جانب المعهد في تقديم التطوير المهني للمعلمين في أثناء الخدمة.

وتقدم الوزارة والمعهد الوطني للتعليم أيضا منحة دراسية للمعلمين الذين يسعون إلى الحصول على درجة الماجستير ودرجة الدكتوراه في سنغافورة والخارج، بوقت كامل أو وقت جزئي، ويستطيع المعلمون المشاركة فيها يصل إلى نحو 100 ساعة من التطوير المهني سنوياً.

وتضع وزارة التربية أهدافا سنوية للمعلمين والمديرين، كما تضعها للمدارس، ويجري تقويم أداء المعلم سنويا في نظام إدارة الأداء المحسن، حيث يجري تقويم المعلمين بالاستناد على ست عشرة كفاءة مختلفة، بما في ذلك عملهم داخل غرف الصف وتفاعلهم مع المجتمع المدرسي الأكبر، وتتخذ المكافآت أشكالا عدة بما في ذلك التكريم وعلاوات الراتب، وتقوم الوزارة باختيار المعلمين لمنحهم الجوائز والتقدير على المستوى الوطني.



End of Topic



(إيجاد)

(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)



ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة