نظام التعليم في فنلندا
يعد التعرف على النظم التعليمية في البلاد المتقدمة من الاتجاهات المعاصرة المهمة، للاستفادة من خبراتها في تطوير نظام التعليم المصري، ومن تلك البلاد جمهورية فنلندا، حيث احتلت المركز الأول في مؤشر التنافسية العالمية عن أفضل نظام تعليمي على مستوى العالم لعدة سنوات متتالية.
أولاً: نبذة تاريخية عن فنلندا:
جمهورية فنلندا هي بلد شمالي تقع في شمال أوروبا، يحدها من الغرب السويد، والنرويج من الشمال، وروسيا من الشرق، بينما تقع إستونيا إلى الجنوب عبر خليج فنلندا، تعد البلاد الثامنة من حيث المساحة في أوروبا وأقل بلدان الاتحاد الأوروبي كثافة سكانية، فنلندا جمهورية برلمانية ذات حكومة مركزية مقرها العاصمة (هلسنكي).
وكانت فنلندا تاريخيا جزء من السويد، ولكنها منذ عام 1809م أصبحت تابعة للإمبراطورية الروسية، وتم إعلان الاستقلال الفنلندي عن روسيا في 1917م والتي تبعها الحرب الأهلية وحروب ضد الاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية وفترة من الحياد الرسمي خلال الحرب الباردة، وانضمت فنلندا إلى الأمم المتحدة في عام 1955م، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في عام 1969م، والاتحاد الأوروبي في عام 1995م.
وفنلندا حديثة العهد نسبيا في التصنيع، حيث حافظت على اقتصاد زراعي حتى الخمسينيات من القرن الماضي، تلا ذلك تطور اقتصادي سريع، إلى أن أصبحت دولة متقدمة في مجال الاقتصاد والسياسة العالمية، وتتصدر فنلندا باستمرار المقارنات الدولية في الأداء الوطني، حيث تتزعم فنلندا قائمة أفضل بلد في العالم من حيث الصحة والاقتصاد والتعليم والبيئة السياسية ونوعية الحياة.
كما تعتبر فنلندا ثاني أكثر البدان استقرارا في العالم، ومثل غيرها من بلدان الشمال الأوروبي، حررت فنلندا اقتصادها منذ أواخر الثمانينيات، حيث خففت التشريعات المالية في سوق المنتجات، كما تمت خصخصة بعض الشركات المملوكة للدولة، وقد انضمت فنلندا إلى الاتحاد الأوروبي سنة 1995م، ومنطقة اليورو في عام 1999م، وقد بدأت في استخدام اليورو (عملة التداول المالية) منذ عام ٠٠٢ ۲۰م.
وخلال عقدين من الزمن أصبحت فنلندا واحدة من أبرز القلاع العلمية والتكنولوجية في العالم، فقد انتقلت من دولة تعتمد في دخلها القومي بالأساس على تصدير الأخشاب والزراعة إلى دولة تمتلك أفضل وأنجح نظام تعليمي على مستوى العالم، ولم تكتف معه بموقع الصدارة بل ما زالت تخوض منافسة قوية ومحمومة مع دول آسيوية وأوروبية بينها كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة والدانمارك من أجل المحافظة على هذا التفوق وضمان استمراره.
ثانياً: التطور التاريخي للتعليم في فنلندا:
بدأ الإصلاح التعليمي في فنلندا من خلال وضع نظام واحد لجميع المدارس الفنلندية يعرف بالمدارس الشاملة أو التعليم العام الشامل، وذلك من أجل التأكد من أن جميع الأطفال سوف يحصلون على تعليم كفء وجاد، وأيضا من أجل الاهتمام بالأهداف الوطنية الفنلندية والسير على خطاها، وفي عام ١٩٧٩م، أصدر البرلمان الفنلندي قرارا يستوجب حصول كل مدرس على درجة الماجستير ذات الخمس سنوات من واحدة من الجامعات الفنلندية الثمانية وعلى نفقة الدولة، مما جعلهم يتساوون بالمحامين والأطباء في المزايا الممنوحة لهم، وأخيرا في عام 1980م قام البرلمان الفنلندي بإنهاء مركزية التعليم أي «التنظيم من أعلى إلى أسفل»، ووضع التحكم في السياسات التعليمية في يد مجالس المدن ولكنها متوازية مع الخطة العامة الوطنية للدولة.
ولم تحدث مسيرة الإصلاح في فنلندا بين عشية وضحاها، وإنما استمرت لما يقرب من 40 عاما، فقد أحرزت المركز الثالث بين 57 دولة طبقا للبرنامج الدولي لتقييم الطلاب «PISA» عام ٢٠٠٦م، ثم أحرزت المركز الثالث في العلوم، والمركز الأول في القراءة والمركز السادس في الرياضة بين نصف مليون طالب على المستوى العالمي.
وفي سبعينيات القرن العشرين كانت فنلندا دولة فقيرة، وفي سنة ١٩٧١م رأت لجنة وزارية أن السبيل الوحيد للنهوض بالاقتصاد يكون عبر تحسين المدارس، الرهان على التعليم كان في محله، بين سنة ٢٠٠٠م وسنة ٢٠٠٩م، وضع تصنيف (بيسا) النظام المدرسي الفنلندي في أعلى المراتب عالميا، ومتقدما على العديد من النظم التعليمية، كالنظام التعليمي الفرنسي والألماني والأمريكي والكندي والبريطاني، وفي سنة ٢٠١٠م رأت مجلة ( نيوزويك) أنها أفضل دولة في العالم معتمدة على خمسة معايير: التعليم والصحة ونوعية الحياة ونشاط الاقتصاد والمناخ السياسي، وسنة ٢٠١١م جاءت فنلندا في المرتبة الثانية في تصنيف عالمي لأقل البلدان فسادا.
- التطور التكنولوجي وعلاقته بالتعليم في فنلندا:
وعن تطور التكنولوجيا وعلاقته بالتعليم في فنلندا، فقد بدأ تطور التكنولوجيا في نهاية ١٩۷۰م، وكان يعتقد أنها ضرورية لتسريع وتيرة التطور لتظل قادرة على المنافسة، واعتبرت التكنولوجيا شرطا أساسيا للنمو الاقتصادي، وفي ربيع عام 1979 م شكلت الحكومة لجنة لتقييم الوضع واقتراح سبل لشحذ همة فنلندا التنافسية، وانتهت اللجنة من عملها في عام 1980 م بتوصية رئيسة منها أنه يجب على جميع الفئات العمرية تعلم أساسيات التقنية التكنولوجية.
وفي أغسطس عام ١٩٨٢ م وافقت الحكومة على سياسة التكنولوجيا الجديدة وأن أساسيات تكنولوجيا المعلومات يجب أن تدرس في النظام التعليمي، والمؤسسات التعليمية يجب أن تكون مجهزة تكنولوجيا، مع مراجعة الكتب المدرسية اللازمة لذلك، وتدريب المعلمين، وفي عام ١٩٨٥ م اتخذت الحكومة قرارا أكثر تحديدا لعدد المدرسين الذين سيتم تدريبهم وخطط الحصول على المعدات والبرامج، وفي عام 1988م بدأت في المدارس الأساسية محو الأمية التكنولوجية لكل المدارس، كما بدأت أيضا بإنشاء شبكة دعم إقليمية لمساعدة المدارس والمعلمين على الاعتماد على التكنولوجيا الجديدة في التعليم ودمج التكنولوجيا في الفصول الدراسية.
وكان هناك تخوف في وجود حالة من الاضطراب وعدم ملاءمة بين نظام التعليم وقطاع الأعمال والصناعة، وأن النظم الدراسية لن تكون قادرة على الاستجابة بسرعة كافية، ولكن بفضل استخدام التكنولوجيا كان هناك توافق وتعاون بين المخططين الاقتصاديين والإدارة السياسية والمسؤولين التربويين في حالة من الرضى عن المنتج التعليمي المطلوب.
ومن هذا يتضح أن اللجنة وضعت خطة وتقريرا منذ عام ١٩٨٠م وتوصيات تم الأخذ بها ولم تتغير مع تغير العهود ووزراء التربية والتعليم، ولكنها خطة واحدة وهدف واحد وهو مصلحة البلد، ومنتج تعليمي جيد لمجال الصناعة والأعمال وغيره.
ثالثاً: فلسفة التعليم في فنلندا:
يستند نظام التعليم الفنلندي على أركان وأسس رئيسة، تتمثل في مبدأ المساواة والمجانية في التعليم الإلزامي الذي يمتد لمختلف مراحل التعليم، وليس فقط الابتدائي بل حتى التعليم المبكر والرعاية الصباحية، كل طفل في فنلندا لديه فرص متساوية في التعليم بغض النظر عن خلفيته العرقية أو مستواه المالي أو مكان إقامته، وتقوم فلسفة التعليم على أن الصغار يكتسبون المعرفة بشكل أفضل عن طريق اللعب.
وترى فنلندا أن تعزيز مبدأ المساواة يرتبط بتقليص الفوارق بين المدارس في جميع أنحاء البلاد عبر تطوير نظم مختلفة من بينها التمويل، وأشارت إلى أنه تم تغيير فلسفة التعليم في فنلندا منذ التسعينيات مع تبني نهج لامركزية التعليم، وإلغاء التفتيش على نصوص الكتب المدرسية، لتبدأ معها هذه الطفرة العلمية التعليمية الهائلة، حيث أصبحت الأيديولوجية المتبعة هي التوجيه عن طريق المعلومات والتمويل والدعم بدلا من السيطرة والمركزية، وتعتبر جودة التعليم والتدريب أساسيا ومرتبطا بكفاءة التعليم ، كما أن التعليم في فنلندا يعتبر غاية في ذاته، ولا يحكمه سوق العمل، وهذا في حد ذاته أحد أهم ما يجب الالتفات إليه.
- أهم المبادئ ا لتي يتميز بها التعليم في فنلندا:
من أهم المبادئ التي يتميز بها التعليم الفنلندي، ما يلي:
- التعليم إلزامي مجاني، كما أن التعليم ما بعد الإلزامي مجاني.
- الحصول على الدعم التعليمي، حيث يمكن للطلاب تلقي المساعدات المالية.
- تكافؤ الفرص التعليمية.
- توفير الدعم للأقليات اللغوية والمغتربين.
- توفير تعليم لذوي الاحتياجات الخاصة بجانب التعليم النظامي.
- الوجبات المدرسية مجانية.
- الاهتمام بتثقيف وتدريب المعلم.
ويتضح مما سبق، أن فلسفة التعليم في فنلندا تعتمد على ثلاث دعائم أساسية هي:
- الجودة: لتحسين حياة الطلاب وإكسابهم المهارات الضرورية لتحقيق حياة أفضل.
- العالمية: لتكوين المواطن العالمي الذي يشارك في المجتمع الأوروبي والدولي بفاعلية مع الحفاظ على الهوية الثقافية.
- التعلم مدى الحياة: لتشجيع التعلم الذاتي، وإتاحة فرص تعليمية للراشدين طوال حياتهم.
رابعاً: إدارة التعليم وتمويله في فنلندا:
إن الجهات المشرفة على التعليم في فنلندا جهتان، هما:
- وزارة التعليم والثقافة:
تعد مسؤولة عن سياسات التعليم في فنلندا من خلال المجلس الوطني الفنلندي للتعليم، ويعمل بالتعاون مع الوزارة لوضع الأهداف والمحتوى وطرق التدريس والتعليم للمراحل التعليمية المختلفة، وتشمل مرحلة ما قبل المدرسة، والتعليم الأساسي والثانوي وتعليم الكبار.
- السلطات المحلية أو البلديات:
وهي مسؤولة عن اتخاذ القرارات المتعلقة بالتمويل وتنفيذ المناهج المحلية، وتوظيف العاملين، وتتمتع البلديات بالاستقلالية لتفويض السلطات للمدارس.
خامساً: نظام التعليم الأساسي بفنلندا:
يبدأ السلم التعليمي بفنلندا بمرحلة التعليم والرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث صدر قانون رعاية الأطفال في أبريل ١٩٧٣م، وتضاعفت أماكن رعاية الأطفال الصغار بمعدل كبير، ووفر هذا القانون للأطفال دون سن السابعة إمكانية الرعاية والتربية في مؤسسات تدعمها الدولة ماديا وإداريا، وتشترط القوانين الفنلندية أن يكون هناك مرب أو مربية لكل سبعة أطفال أعمارهم فوق الثالثة، وأن يكون المربي حاصلا على مؤهل جامعي، أما الأطفال دون الثالثة فيشترط أن يكون هناك مرب لكل أربعة أطفال بحد أقصى، ولديه نفس التأهيل الجامعي.
كما توجد سنة تحضيرية (قبل التعليم الابتدائي) ليست إلزامية، حيث تفرض القوانين على السلطات المحلية توفير أماكن كافية لكل طفل يرغب في الالتحاق بها، ولا تسمح القوانين الفنلندية للكنائس بالإشراف على السنة التحضيرية، كما هو الحال في الكثير من دول أوروبا، ولا يقل مؤهل المعلم عن درجة الماجستير إذا كانت هذه الصفوف التحضيرية مشتركة مع تلاميذ من الصفوف الأول والثاني الابتدائي، ولا تقل عن درجة البكالوريوس الجامعي إذا كان تلاميذ الصف التحضيري بمفردهم، أما في مرحلة التعليم الأساسي، فيلتحق الطفل بالمدرسة في سن السابعة وفترة التعليم الإلزامي تسع سنوات، وتتراوح أعداد التلاميذ بين۲۰ – 30 في الفصل الواحد.
ويعتبر المنهج الدراسي مرجعا يسترشد به المعلمين وليس جدولا صريحا للدروس، حيث يستعرض المنهج كيف يجب على المدرسين أن يركزوا على تطوير مهارات الإبداع والإدارة والابتكار عند طلابهم، ومع التزام المعلمين بهذه الأهداف واختيارهم لمواد التدريس وخطط الدروس الخاصة بهم، يكونوا قد نجحوا في إنجاز الأهداف التعليمية التي وضعتها الحكومة للمناهج الدراسية.
وطرق التدريس تبتعد عن أساليب التلقين والحفظ، بل تهتم بتعليم الطلاب المهارات والإبداع والنقد، وإكساب مهارات التعلم الذاتي الأساسية وتنمية التفكير لمواجهة ظاهرة انفجار المعرفة وتراكمها وتقادمها، وللتعلم الدائم بعد التخرج.
كما أن طرق التدريس متنوعة مراعاة للتمايز والتباين بين الطلاب، ومراعاة لتعدد الذكاءات، ويحرص المعلمون على دمج وسائل التكنولوجيا الحديثة من الآيباد والحاسوب والتلفزيون والأفلام والأقراص المدمجة، ولذلك يستغني الطلاب في فنلندا عن الحقائب الثقيلة المضرة، مع الابتعاد عن أساليب التلقين.
وبجانب التركيز على الطالب، يستند تطبيق المناهج المدرسية وتنظيم العمل المدرسي في فنلندا إلى مفهوم التعليم الذي يركز على النشاط الطلابي والتفاعل مع المدرسين والطلاب الآخرين والمجتمع المدرسي بأكمله، كما أن المدارس الفنلندية لا تعرف أسلوب العقاب للطلبة سواء البدني أو المعنوي، بل تعتمد فقط على الثواب والتحفيز للطالب من أجل تحصيل العلم والتعلم، الذي تحول بين المواطنين الفنلنديين لهدف وغاية وليس وسيلة وهنا يكمن السر بأن أصبح الطلبة الفنلنديون هم الأوائل على مستوى العالم من حيث القراءة والفهم.
وتوجد العديد من الممارسات الفعالة للتوجيه والإرشاد الطلابي، فنظام التوجيه والإرشاد في فنلندا فريد من نوعه وعلى غير المتوقع، حيث لا يدرس المعلمون أكثر من 5 حصص/ دروس في اليوم لتسهيل العمل وضمان نجاحه، أما بقية الوقت فيقومون بالتخطيط والتحضير لعملهم أو بإرشاد الطلاب وتوجيههم، أو بإثراء أنفسهم بكل جديد يرتبط بعملهم، أو بالتشاور والتنسيق والتعاون مع بعضهم البعض، ولا يثقل المعلمون على الطلاب، ولا تعطي واجبات منزلية (إلا ما ندر) ولوقت محدود جدا لمعرفة قدراتهم ومستواهم ، والتركيز على التشخيص ومعرفة مستوى كل طالب لاختيار ما يناسبه على ضوء هذا التشخيص.
وتمتد السنة الدراسية على مدار١٩٠ يوما، من منتصف أغسطس إلى منتصف يونيو، وتستمر الدراسة في المدارس خمسة أيام في الأسبوع، ويتم تحديد الجداول الزمنية اليومية والأسبوعية في المدارس، وفي عام 1990م كان بإمكان المعلم والمدرسة تحديد المنهج وتخصيص وقت وطرق التدريس الملائمة، وهذا يختلف من مدرسة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى ويعطى نوعًا من التنوع والاختلاف.
وتتم عملية تقييم الطلاب بشكل وصفي لا رقمي، بحيث لا يتم تحويل مستويات الطلاب الدراسية إلى أرقام، وإنما يوصف مستوى الطالب بشكل تعبيري، بمعنى أنه لا يتم مقارنة طالب بآخر ولا يوجد طالب ممتاز وآخر جيد، وإنما يتم تقييم كل طالب بشكل فردي عن طريق وصف كتابي يكتبه المعلم عنه، مثال توضيحي: معلم الرياضيات يقوم بتقييم الطالب بالطريقة التالية "الطالب متميز في تحليل المعادلات واشتقاقها من أصولها، لكنه لا يحسن التمثيل العددي والتعامل مع الأرقام والكسور".
فبعد السنة الخامسة لا يسمح قانونيا بوضع درجات للطلبة، ولا يسمح بالمقارنة بينهم، فالمعلمون يضعون اختباراتهم الخاصة، ولا يأخذونها من مؤسسات خارج المدرسة، ولا تقارن المدارس مع بعضها، حيث تبقي النتائج سرية حتى يطلبها مجلس التعليم الوطني لغرض تحسين التعليم.
إن عدم إلزام المعلم باختبارات ونتائج شهرية وفصلية، يعطي المعلم حرية كبيرة للاختلاط والاحتكاك بالطلاب ومعرفة مستوياتهم وجوانب شخصياتهم والتعرف على ميولهم وإثراؤهم علميا، كما لا توجد اختبارات عامة للطلبة خلال السنوات التسع الأولى، فيما يتم تقييم الأداء بناء على اختيار 10% من كل شريحة عمرية لإجراء الاختبارات عليها، وتحتفظ المدارس بالنتائج في سرية تامة.
والأسلوب الرئيس لتقييم التلاميذ في فنلندا هو التقييم المستمر(التكويني) خلال فترة الدراسة، والتقييم النهائي (التحصيلي)، حيث يسجل المعلمون الدرجات في شهادة التعليم الأساسي وهي الشهادة النهائية التي يتم منحها في نهاية العام التاسع.
ويعتمد التقويم في النظام الفنلندي على أساس تثمين المكتسبات عند المتعلم بدل إبراز نقائصه، فلا توجد اختبارات وطنية للتلاميذ في مرحلة التعليم الأساسي في فنلندا، بل إن التقويم عملية مستمرة في مسار الدراسة تساعد الطلبة على تخطي جميع الصعاب التي تواجههم أثناء مسيرتهم التعليمية، ويحصل الطالب على تقرير سنوي كل عام.
فمن مهام التعليم الأساسي تنمية قدرات التلاميذ على التقييم الذاتي، والغرض من ذلك هو دعم نمو مهارات معرفة الذات ومهارات الدراسة لمساعدة التلاميذ على تعلم كيفية إدراك عملية التعلم وما حققوه من تقدم.
ويتضح مما سبق، أن من مميزات نظام التقييم في التعليم الفنلندي، أن التقييم لامركزي، حيث يعتمد على المعلم والمدرسة، والتركيز على التعلم العميق، وليس الاختبار، فلم تتبع فنلندا طرق الكثير من النظم التعليمية التي تضع المعلم والمدرسة في مساءلة عن نتائج الاختبارات بل عن نتائج التعلم، فتقييم نتائج الطلاب مهمة كل معلم ومدرسة في فنلندا، عن طريق امتحانات يعدها المعلم بنفسه وتحت إشراف كل مدرسة على حدة، والامتحان الوحيد الموحد على مستوى الدولة هو امتحان شهادة الثانوية العامة في نهاية المرحلة الثانوية قبل التحاق الطلاب بالتعليم العالي.
والتقييم اللامركزي له آثار إيجابية كبيرة على التعليم وبالتالي على الطالب، فالاختبارات التي من صنع المعلم لا تكون امتحانات رقمية التي من شأنها مقارنة مباشرة للتلاميذ مع بعضهم البعض، فيحظر القانون من استخدام الدرجات بل هي تقييمات وصفية فقط، فمن غير المألوف للمعلمين عرض ترتيب الطلاب بواسطة الاختبارات الصفية بل تقييم الإنجاز، كما أن التقييم اللامركزي يعطي للمعلمين المزيد من الحرية الحقيقية في تخطيط المناهج الدراسية لأنه لا يحتاج إلى التركيز على الاختبارات السنوية أو الامتحانات.
إن نظم التقييم المرنة واللامركزية أتاحت للمعلم والمدرسة والطالب جوا من الحرية والهدوء والعمل بدون ضغط وتوتر وهذا جعل شيئا من الابتكارية والتجديد وإعمال العقل والاختراعات توجد في العديد من المدارس، وهذا يعتبر مناسبا للتعليم والتعلم في فنلندا، وبطبيعة الحال يبدو أن الآباء والطلاب والمعلمين يفضلون أشكال التقييم والتعليم المرنة اللامركزية لأنها تسمح بالتركيز على تخطيط المنهج الدراسي بدلا من الاختبارات الموحدة المركزية التي توجد في بعض البلدان الأخرى.
وهناك معلم لكل ١٢طفلا في الحضانة والتمهيدي، ومعلم لكل 16 تلميذا في الابتدائي، ومعلم لكل ١٢ طالبا في الثانوية الدنيا، ويلاحظ أن نسبة الإناث 97% من معلمي الحضانة والتمهيدي، و76% من معلمي الابتدائي، و 66.8% من معلمي الثانوي، مما يعني أن غالبية المعلمين في جميع المراحل الدراسية في فنلندا من النساء.
ويجتمع المعلمين مع بعضهم البعض من جهة، ومع القيادات التعليمية داخل المدرسة من جهة أخرى، للاستفادة من التجارب الصغيرة ومشاركة المعلومات للخروج بحلول تعليمية مبتكرة من وقائع مختلفة، وهي تعزز التعلم المهني بين المعلمين وخلق ثقافة التواصل فيما بينهم.
ويتضح مما سبق، أنه يبدأ الطلبة الدراسة في فنلندا بسنة واحدة من التعليم قبل الابتدائي، يتبعها تسع سنين في مدرسة شاملة، يلتحق الطالب بعدها بالمدرسة الثانوية العليا، حيث يمكن للطلبة عند تلك النقطة أن يختاروا الالتحاق بمدرسة نظرية أو مدرسة مهنية، وهذا الأمر منح كم كبيرة من المساواة التعليمية للطلبة من كل الخلفيات الاجتماعية الاقتصادية ، مدعوما إلى حد بعيد بكوادر تعليمية قوية، فبعد إكمال المدرسية الشاملة يختار الطلبة بين المدارس الثانوية العليا النظرية أو المهنية، أو يمكنهم أن يختاروا مغادرة المدرسة نهائية، إلا أن هذا الخيار غير شائع، إذ إن أكثر من 95% من الطلبة يكملون إلى المرحلة الثانوية العليا، حيث نجد أن نحو نصفهم يختارون المسار النظري (53%)، والنصف الآخر يذهب إلى المسار المهني (٤٧%)، وينتهي الأمر بمعدل تخرج يبلغ 95%.
سادساً: مزايا النظام التعليمي الفنلندي:
ومن مزايا نظام التعليم في فنلندا، ما يلي:
- التعليم بكافة مراحله، المدرسية والجامعية، مجانية.
- الفرق في المستوى بين المدارس بسيط جدا.
- كل المعلمات والمعلمين يحملون شهادة لا تقل عن الماجيستير.
- كل المعلمات والمعلمين هم من الـ 98% الأوائل من خريجي الجامعات.
- للمعلمات والمعلمين حرية واسعة للتصرف في المناهج الدراسية، والثقة بهم واسعة فهم كلهم اختصاصيون في مجالهم.
- تستخدم طريقة خاصة في كل درس تقريبا لمساعدة أولئك الذين يجدون صعوبة في موضوع معين، وهي إحضار مدرس إضافي لمساعدة هؤلاء الطلبة.
- مستوى التلاميذ على مستوى الجمهورية متناسق: كفاءة تلميذ العاصمة هي نفسها كفاءة تلميذ القرية النائية والفارق بين التلميذ الأفضل والتلميذ الأسوأ هو الأصغر في العالم.
- نادرا ما يلزم الأطفال بأداء واجبات منزلية، وتعطى واجبات مدرسية معتدلة في الفنلندية.
- لا توجد دروس خصوصية بعد المدرسة.
- وجبات الطعام مجانية والمواصلات مجانية والمستلزمات الدراسية (كتب، دفاتر ) مجانية، باستثناء المرحلة الثانوية، إذ على الطلاب أن يدفعوا ثمن الكتب والأدوات، ولكن دخولهم للجامعات مجاني بلا رسوم.
- المدرسة بها 900 تلميذ يديرها 7 أشخاص فقط، ما يقلل النفقات على الدولة.
- للتلاميذ الأقل كفاءة الحق في الحصول مجانا على كل أنواع المساعدة من أساتذة متخصصين وأطباء نفسيين واختصاصيين تقويم اللغة واللفظ إلخ.
- التعديلات العامة والنظم الجديدة والخطوات الإصلاحية في التعليم يوضع لها خطط محكمة لتطبيقها، بحيث يتم تعميمها وتطبيقها على منطقة تلو الأخرى بشكل متدرج ومراقب بصورة دقيقة.
- راحة الطفل النفسية في المدرسة كونها المكان الذي يقضي فيه معظم وقته.
- يوجد بعض المدارس الخاصة التي لا تشجع عليها الحكومة ولا تعطي التراخيص لفتحها بسهولة، وهذا يؤكد اهتمام الحكومة بنوعية التعليم للجميع وليس الاستثمار بطلابهم.
- نظام التعليم في هذه الدولة الرائدة يساعد على تقارب مستويات الطلبة بإعطاء الفرص للجميع في اكتساب المهارات في المواد المختلفة كالعلوم والرياضيات والقراءة واللغات، وحتى مع وجود تباين في الذكاء والمهارات إلا أن نظام التعليم عمل على تقليص الفجوة التي تخلق هذا التباين بزيادة مهارات الطلبة جميعا، حيث يبدأ التعليم من سن السابعة.
- أول ست سنوات من عمر الطفل هي الأهم في المدرسة وفي التعليم الفنلندي، لأنها قترة بناء المعرفة والمهارات البسيطة والتعود على حياة التعلم واكتساب المعرفة لتعود عليهم بالفائدة في المراحل التي تليها
- أن المعلم له حق تقسيم المادة واختيار الدروس التي يريد إعطاءها وطريقة التدريس حسب رغبته واقتناعه بأهمية المواد وشموليتها وعمقها ومحافظتها على المحتوى العلمي القوي، وهذه الخطوة لا تتم طبعا إلا بوجود نخبة من المتميزين أصحاب الدراسات العليا وفي مراحل معينة يجب أن يكونوا حاصلين على الماجستير على الأقل، وفي بعض المراحل يكونوا حاصلين على شهادة الدكتوراه، وإن عملية اختيار المعلمين لما يريدوا إعطاءه يزيد من حسن العلاقة الجيدة مع طلابهم وشفافيتها وقوتها، لأن هذه الطريق لا تعمل على التلقين وإنما تدفع الطالب للبحث والاستفسار والاكتشاف.
- ليس هناك قلق دراسي في فنلندا، إذ ليس هناك اختبارات في السنوات التسع الأولى، وإنما تقييم أداء من قبل المعلمين، وبذلك تزيد ثقة الطلاب بقدراتهم وأنفسهم ولا يسمح للتمييز بينهم.
سابعاً: أوجه الاستفادة من النظام التعليمي الفنلندي:
وتتضح أوجه الاستفادة من نظام التعليم في فنلندا، ما يلي:
- أن التخطيط الاستراتيجي واضح المعالم من صانعي القرار، وتأديته بأمانة وإخلاص من القائمين على التعليم في فنلندا
- مبدأ إتاحة أو توفير التعليم للكل ثم الجودة في التعليم تحققت.
- ضخ دماء شابة، وجذب أعلى المؤهلات والكفاءات من البكالوريوس إلى الماجستير، وفي بعض الأحيان حملة الدكتوراه.
- الحرية للمدارس والمعلمين في اختيار نوعيات الكتب طالما أنها تلتزم بالإطار العام المنصوص عليه في الخطة التطورية للدولة.
- الخطة التطويرية للدولة تخضع للتقييم والتعديل كل أربعة أعوام، لضمان الفاعلية وتغيير الأولويات حسب المستجدات.
- نظام اللامركزية هو السبيل الأفضل لضمان جودة التعليم وتحقيق المساواة بين الطلبة، ويتلخص هذا النظام في أن تكون كل مدينة أو منطقة في الدولة قادرة على اتخاذ القرارات وإتمام المهام دون الرجوع للمركز الرئيس.
- يعد التوجيه التعليمي للطلاب عاملا أساسيا يهدف إلى توفير الدعم والمساعدة لهم، حتى يتمكنوا من تقديم أفضل أداء ممكن في دراستهم.
ثامناً: إعداد المعلمين وتدريبهم في فنلندا:
يتميز أداء المعلمين في فنلندا بجودة استثنائية؛ نظرا لما يتمتع المعلمون في المدارس الفنلندية بثقة يستحقونها، وتعكس درجة عالية من الجودة في تدريبهم. وقد استطاع المعلمون كسب ثقة الآباء والمجتمع كله عبر إثبات قدرتهم على حسن التصرف وإصدار الأحكام بطريقة مهنية تمكنهم من إدارة صفوفهم، وتستجيب لتحدي مساعدة الأطفال كلهم عملية ليصبحوا متعلمين ناجحين.
إن النوعية الجيدة للمعلمين وعملية التدريس تقع في صميم النجاح التربوي في التجربة الفنلندية، ويمكن العثور على العوامل التي أنتجت تلك النوعية الجيدة عند خط تقاطع السياسة مع الثقافة. فعام 1979 اتخذت السلطات الرسمية قرارا بنقل عملية إعداد الدرسين إلى الجامعات وجعلها أكثر صرامة إلى حد كبير.
وفي ثمانينيات ذلك القرن اتخذت الحكومة قرارات أخرى لنقل المستويات المتزايدة من السلطة والمسؤولية عن التعليم من وزارة التعليم ووضعها على عاتق المدارس والبلديات، وجاءت هذه الحركة تعبيرا عن توجه الغرب المتنامي لتقليص دور الحكومات المركزية وقدرتها على تقرير أفضل ما يمكن عمله على الأرض، لكن هذه القرارات أدت إلى زيادة المسؤولية والثقة التي يتمتع بها المربون في المدراس.
- لماذا تعد مهنة التعليم هي الخيار الأول للطلبة الأفضل والألمع في فنلندا؟
- الراتب أو الأجر ليس هو الجواب، على الرغم من أن أجر المدرس في فنلندا يعد منافسا إلى حد ما، إلا أنه ليس مغريا أكثر من الأجر الذي يدفع في بلدان أوروبية عدة أخرى، في الحقيقة إن الفرق في الأجور بين المتخصصين في فنلندا صغير جدا مقارنة مع معظم الدول الصناعية المتقدمة الأخرى، وهذا يعني أن التباينات في الأجور في فنلندا عموما لها تأثير لا يكاد يذكر بالنسبة إلى اختيار المهنة مقارنة بدول أخرى.
- الجواب بالتأكيد له علاقة بالاحترام الكبير والقديم للمعلمين في فنلندا، لكن له علاقة أكثر بكثير بعملية الاختيار، والعمل بحد ذاته، إضافة إلى ظروف العمل وبسبب أن فنلندا لديها معايير عالية جدا يشترط الوفاء بها للدخول في برامج إعداد المعلمين، لذا يضفي القبول في هذه البرامج المهابة على المتقدم الناجح، أيضا تضفي الخطوة التي قامت بها فنلندا بنقل نظام عملية إعداد المعلمين إلى الجامعات المهابة على الشباب الذين يتجهون إلى مهنة التعليم، لأنهم يتلقون التدريب في المؤسسات نفسها التي تقدم التدريب للمهن الأكثر تقديرا ومهابة في البلاد.
- وبسبب أن فنلندا طورت مناهج مدروسة بعمق، ومنحت المعلمين استقلالية أكثر بخصوص الطريقة التي يقاربون بها هذه المناهج، فإن المعلمين يتميزون بأمرين اثنين: لديهم مناهج تستحق التدريس، ويتمتعون بنوع من الاستقلالية في مقاربة هذه المناهج، وهذه خاصية تتميز بها المهن ذات المكانة العالية فقط، ولأن فنلندا على وشك وضع مناهج تدعم الإبداع والابتكار، فلدي المدرسين عمل يتضمن كثيرا من المغريات التي تتميز بها المهن التي تتضمن البحث والتطوير والتصميم.
- إنهم يوسعون آفاقهم الفكرية والإبداعية، ولأن فنلندا راضية عن العمل الذي يؤديه مدرسوها، وهذا شيء مفهوم، فهي ماضية بالوثوق بهم وبآرائهم المهنية إلى حد يعد نادرا بين أمم الأرض (وإشارة على هذا الأمر حقيقة أنه لا يوجد أي اختبارات يتقدم إليها كل الطلبة الفنلنديين في أي مستوى من النظام التعليمي ما تتيح للمشرفين أن يبدوا آراءهم حول القيمة المقارنة للمعلمين بوصفهم أفراد أو أعضاء في هيئة التدريس)، إن هذا المستوى العالي من الثقة، وهذه التحديات الفكرية لمناهج طموحة، ويتضمن نظاما للابتكار الدائم، وهذه السعادة بمعرفة أنه جرى قبولك في مهنة من الصعب جدا الدخول إليها، وأنك ستعمل مع آخرين يملكون المؤهلات والاستقلالية المهنية نفسها، لا تتوافر عادة إلا في المهن الأعلى مكانة فقط، هذا كله يجعل من التدريس عملا جذابا جدا، ولن تفاجأ أن فنلندا تملك نسبة عالية جدا من الاحتفاظ بالنسبة إلى المعلمين، حيث يبقى نحو 90% من المدرسين المدربين في المهنة طوال مسيرتهم المهنية.
- تخضع عمليات إعداد المعلمين كلها لإشراف الجامعات في فنلندا، ويجب على الطلبة كلهم الدراسة مدة خمس سنوات للحصول على درجة الماجستير، يمارس الطلبة تدريباتهم الغزيرة تحت إشراف مختصين، ولدينا في فنلندا ما يسمى مدارس التدريب - التي تقع عادة بالقرب من الجامعات- حيث تتوافر للطلبة فرصة ممارسة التدريس وتلقي المراجعة والمتابعة من مشرفين مؤهلين، وإن للمعلمين في فنلندا حرية اختيار طرائق التدريس والمواد التعليمية كما يشاؤون، فهم خبيرون في مجال عملهم، ويختبرون طلابهم، أعتقد أن هذا يشكل أحد الأسباب التي تجذب الناس إلى مهنة التدريس في فنلندا، لأن المدرسين يعملون بوصفهم خبراء أكاديميين مع طلابهم في المدارس.
- لذا كان المدرسون رفيعو المستوى هم وسم الجودة لنظام فنلندا التعليمي، حيث إن التعليم هو المهنة الأكثر احتراما، في فنلندا، والتدريس في المرحلة الابتدائية هو المهنة الأكثر تفضيلا التي يسعى وراءها المدرسون، وكما هي الحال مع البلدان الأخرى ذات الأداء العالي، يستثني المراقبون المثال الفنلندي من المقارنة غالبة، بسبب أنهم يرون أن المكانة التي يحظى بها المدرسون هي خاصية ثقافية لا يمكن تغييرها عبر السياسات والخطط، ولهذا فالمثال الفنلندي في رأيهم غير قابل للتكرار، لكن وكما في حالات أخرى بين الدول الأفضل أداء يتكشف عند الاطلاع عن قرب على المكانة التي يحظى بها المدرسون، أنها إلى حد بعيد نتيجة لتطبيق سیاسات و ممارسات خاصة ، ومن ثم فهي قابلة للتكرار، وفي حين يمكن أن يقال هذا أيضا عن دول أخرى، منها عدد من بلدان شرق و جنوب شرق آسيا، إلا أن هناك نموذجا فنلندية يختلف تماما عن النماذج الآسيوية المتعددة.
- يتحلى المعلمون في فنلندا بدرجة عالية من حسن التصرف والاستقلال المهني، إذ يولي نظام التعليم في فنلندا أهمية كبيرة لاستقلال المدرسة والمدرس، حيث يتحكم المدرسون في صفوفهم، ويعدون جداول الدروس، ويشرفون كذلك على ما يجري خارج ساعات التدريس، لذا فإن الترقية لا تؤثر بالضرورة في استقلالية عملهم أو تسمح لهم بأن يجروا تغييرات واسعة ضمن المدرسة، ويمكن للمعلمين الناجحين أن يصبحوا مديرين، حيث تعينهم في هذا المنصب السلطات المحلية في المقاطعات، ويتولى المديرون مسؤوليات مالية تتعلق بميزانية المدرسة، لكنهم لا يتمتعون بمقدار كبير من السلطة على المدرسين، إذ لا يراقب المديرون المعلمين لتقويمهم، حيث لا وجود لهذا التقليد في فنلندا، وفي المدارس الأصغر، غالبا ما يشارك المديرون بجزء من التدريس إضافة إلى واجباتهم الأخرى.
- ولا تسعى فنلندا إلى تحسين نظام التعليم العام عبر خصخصة المدارس أو إجراء اختبارات مستمرة للتلاميذ، بل عبر تدعيم مهنة التعليم والاستثمار في إعداد المدرس للعمل ودعمه، وبفضل سعة المعرفة التي يتمتع بها المدرس الفنلندي ومهاراته رفيعة المستوى فإنه: يتمتع المعلم في فنلندا باستقلال كبير داخل الصف لاختيار الأساليب التربوية المناسبة.
- لدى المعلم الفنلندي الاستعداد لتحديث مهاراته المهنية بصورة مستمرة عبر إكمال الدراسات العليا.
- يبدي المعلم الفنلندي رغبة أكبر في العمل على تطوير ذاته والانفتاح على الأفكار الجديدة، هذا إلى جانب سعة الأفق والمدارك التي يتمتع بها.
- يحرص المعلم في فنلندا على المشاركة في عمليات تطوير المدارس، سواء في المدرسة حيث يعمل، أو عبر المشروعات الوطنية والدولية.
- وتعد برامج تدريب المعلمين الفنلندية انتقائية للغاية، حيث تقبل طالبا واحدا فقط من كل عشرة طلبة يتقدمون إليها، والنتيجة أن فنلندا تختار مدرسيها المستقبليين من نخبة النخبة، ويجري تقويم المتقدمين بناء على سجلهم في المدرسة الثانوية العليا، وأنشطتهم خارج المنهج، ونتائجهم في امتحان القبول الجامعي الذي يجري في نهاية المدرسة الثانوية العليا، وبمجرد أن يتخطى المتقدم هذه الجولة الأولى من التصفية، يجري مراقبته في نشاط شبيه بالتدريس ومحاورته أيضا، ويقبل فقط المرشحون الذين يتمتعون بأهلية واضحة للتعليم، وبالأداء الأكاديمي القوي.
- في سبعينيات القرن الماضي نقل نظام إعداد المعلمين من كليات إعداد المعلمين إلى الجامعات، ومنذ ذلك الوقت اشترطت إصلاحات أخرى حصول كل المعلمين على درجة الماجستير، وهناك 11 جامعة فقط يوجد فيها برامج إعداد للمعلمين (يوجد أيضاً خمس كليات تدريب مهني للمعلمين)، فمن السهل مراقبة الجودة وتحقيق المعايير، ويشترط في معلمي المدارس الابتدائية أن يتخصصوا في قسم التعليم، مع إتمام مقررات فرعية في مادتين من مناهج المرحلة الابتدائية، ويشترط في معلمي المدارس الثانوية أن يتخصصوا في المادة التي سيعلمونها، وأن يكملوا سنة خامسة من التعليم مخصصة لضمان إتقان مهنتهم، إما بالترافق مع عملهم الميداني الرئيس أو بعد أن ينهوا أربع سنوات من الدراسة النظرية للمادة، وفي نهاية البرنامج ذي الخمس سنوات، يحصلون على درجة الماجستير، ويعتمد إعداد المعلمين بشدة على البحث، مع التأكيد بقوة على المعرفة ذات المحتوى التربوي، ويجب على الطلبة أيضا أن يمضوا سنة كاملة في التدريس في مدرسة مرتبطة بجامعتهم قبل التخرج، وهذه المدارس التابعة للجامعات في مدارس نموذجية، ويتابعون الدراسات والأبحاث حول التدريس والتعلم، ويراقب مجلس تقويم التعليم العالي برامج إعداد المعلمين في فنلندا.
- كما يرتكز التطوير المهني لمعلم في فنلندا على اكتساب المرونة وتحمل المسؤولية في اتخاذ القرارات، وأن يكون المعلم مقداما على الأخطار المدروسة، وأن يكون مبدعا وقادرا على حل المشكلات بالطرق العصرية، ويسلك سبل التعلم التعاوني واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصالات في التعليم، بدلا عن التعلم بحسب المعايير التقليدية وإتقان مهارات روتينية وممارستها.
- ويحظى المعلمون بتطوير مهني إلزامي، حيث تتولى المقاطعات تمويل المدارس الفنلندية لأجل عمليات التطوير المهني؛ لذا تختلف متطلباته بحسب المقاطعة، وتطلب الحكومة الوطنية من كل مقاطعة أن تمول على الأقل ثلاثة أيام من التطوير المهني الإلزامي سنويا، وتختلف المدة الزمنية المخصصة للتطوير المهني على نحو كبير بين المقاطعات، لذا لا تتدخل الحكومة في نوع التطوير المهني الذي يشارك فيه المدرسون، وتشير الأبحاث إلى أن المدرس الفنلندي العادي يمضي سبعة أيام سنوية في التطوير المهني، وتنظم بعض المقاطعات برامج أطول للتدريب عبر مدارس متعددة، وتترك مقاطعات أخرى الأمر للمدارس لتطوير برامج للتدريب في أثناء العمل. إلا أن هذا النظام من الممكن أن يتغير مع التطوير والإصلاح المستمر.
End of Topic
(إيجاد)
(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)
أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة