إعلان الرئيسية

مدلول فكرة تنازع القوانين وخصائصها والتكييف 


- المقصود بتنازع القوانين:


لا شك انه لابد من ان يوجد لكل نزاع يعرض على القاضي الوطني قانون يحمله، فإذا كانت العلاقة محل النزاع تتسم بالطابع الوطني البحت فلا جدال في ان تسوية هذا النزاع يتم وفقاً لقواعد القانون الداخلي للقاضي المعروض عليه النزاع.

ولا تثور بالتالي مشكلة تحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع، وذلك لأن الأمر يتعلق بحل نزاع داخلي ولا يهم القانون الدولي الخاص.

الشروط التي يجب توافرها لكي تدخل الرابطة القانونية في نطاق تنازع القوانين:


لكي تدخل الرابطة القانونية في نطاق تنازع القوانين يجب ان تتوافر عدة شروط:

1) ان تتسم العلاقة أو المركز القانوني بالصفة الدولية.


بمعنى ان تتضمن بالنسبة للقاضي الوطني المعروض عليه النزاع عنصراً اجنبياً.

وقد يتعلق العنصر الأجنبي بالجنسية الأجنبية لأحد أطراف النزاع أو بالتوطن خارج دولة القاضي أو بإبرام العقد في دولة أجنبية أو بتواجد المال محل العقد في إقليم دولة أجنبية .. الخ

- ومن الأمثلة التي توضح كيفية انتماء العلاقة أو الرابطة القانونية للقانون الدولي الخاص:


أن يتزوج مصري من امرأة سعودية الجنسية ويتم إبرام عقد الزواج في إنجلترا.

فإذا حدث خلاف بين الزوجين يثور التساؤل عن قانون الدولة الواجب حل النزاع اتباعاً لأحكامه وهذا هو المقصود بتحديد القانون الواجب التطبيق على العلاقة أو الرابطة القانونية.

2) يجب ان يكون هناك أكثر من قانون قابل للانطباق على العلاقة أو المركز القانوني المعروض


فمثلاً؛ بالنسبة لرابطة الزواج في المثال السابق.

فإنه من المتصور أن ينطبق عليه القانون المصري باعتباره قانون الدولة التي يحمل الزوج جنسيتها كما يتصور تطبيق القانون السعودي باعتباره قانون جنسية الزوجة.

ومن الوارد ايضاً انطباق القانون الإنجليزي على أساس انه قانون دولة إبرام الزواج.

3) يفترض نشؤ تنازع للقوانين قبول قانون القاضي الوطني لفكرة إمكانية تطبيق القوانين الأجنبية


ذلك انه إذا كانت دولة القاضي تتبنى الأخذ بمذهب الإقليمية البحث الذي يعني تطبيق القانون الوطني على كل الأشخاص المتواجدين في الدولة وعلى كل الوقائع التي تحدث بها دون السماح بتطبيق القوانين الأجنبية فلن يتأتى لتنازع القوانين ان يظهر في هذه الأحوال.

ويلاحظ أنه يمكننا تعريف تنازع القوانين بأنه ذلك الفرع من أفرع القانون الدولي الخاص الذي يتكفل باختيار أنسب القوانين لحكم العلاقات الخاصة الدولية.

- تنازع القوانين يقتصر على مسائل القانون الخاص:


من القواعد المعترف بها بين مختلف الدول أنه لا تنازع للقوانين في مجال قواعد القانون العام كما هو الحال بالنسبة لقانون العقوبات والقانون الإداري وقانون الضرائب.

فكل دولة لا تقبل إلا تطبيق قانونها على كل الجرائم التي تقع داخل إقليمها أياً كانت جنسية مرتكبها

وإذا تبين عدم انطباق القانون الوطني فإن القاضي لا يجوز له ان يقرر تطبيق قانون دولة أجنبية لأن هذا يخرج من نطاق اختصاصه على أساس ان الأمر يتعلق بتطبيق قاعدة من قواعد القانون العام وبالتالي ينبغي على القاضي أن يصدر حكماً بعدم الاختصاص.

وذلك على عكس القانون الخاص فإذا عرض على القاضي الوطني حل نزاع يتعلق بمسألة تنتمي إلى القانون الخاص وتبين له عدم انطباق القانون الوطني على النزاع فلا يجوز له ان يصدر حكماً بعدم الاختصاص وانما ينبغي عليه البحث عن القانون الواجب التطبيق على المسألة المعروضة وفقاً لما تشير إليه قواعد تنازع القوانين المنصوص عليها في القانون الوطني ذاته.

- خصائص قواعد تنازع القوانين:


تتميز قواعد تنازع القوانين بعدة خصائص منها:


(أ‌) الطابع الثنائي أو المزدوج لقاعدة التنازع:


من المسلم به ان قاعدة تنازع القوانين تعتبر من القواعد المزدوجة الجانب.

يعني هذا ان القانون الواجب التطبيق الذي ينتج عن اعمال هذه القاعدة قد يكون قانون وطني للقاضي المعروض عليه النزاع كما قد يكون قانون أجنبي.

ولكن بعض الفقهاء يرى ان قواعد التنازع ليست ثنائية الجانب وانما أحادية الجانب، أي تقتصر فقط على تحديد مجال انطباق القانون الوطني للقاضي المعروض عليه النزاع.

وبالتالي القاعدة؛ صياغة قاعدة الإسناد صياغة مزدوجة الجانب، أي تشير إلى القانون الواجب التطبيق سواء كان قانون القاضي او القانون الأجنبي.

الاستثناء/ صياغة قاعدة الإسناد صاغة منفردة الجانب، أي تشير إلى القانون الوطني فقط في حالات معينة أهمها الحالات التي يقتصر فيها على تطبيق القانون الوطني فقط.

(ب‌) الطابع غير المباشر لقاعدة التنازع:


حيث لا تتكفل قواعد تنازع القوانين المزدوجة الجانب بإعطاء الحل مباشرة للنزاع، وانما يقتصد دورها على الإشارة الى القانون الواجب التطبيق ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الثانية، وهي مرحلة الفصل في النزاع إعمالاً لقواعد القانون الواجب التطبيق الذي اشارت اليه قاعدة التنازع الوطنية.

فمثلاً، عندما يتعلق النزاع امام القاضي ببيع عقار من مصري إلى فرنسي مثلاً، فإنه يتعين الرجوع إلى قاعدة تنازع القوانين الخاصة بالأموال والتي تقضي بخضوع المال سواء كان عقار أم منقول لقانون موقعه.

ويلاحظ هنا ان مجرد اللجوء إلى قاعدة التنازع لم يحل المشكلة ذلك ان الفصل في النزاع يقتضي تحديد موقع المال ثم تطبيق القواعد الداخلية في قانون دولة الموقع.

وعلى ذلك فإن قاعدة التنازع تؤدي إلى إعطاء الحل للنزاع بصورة غير مباشرة، وذلك على عكس علاقات القانون الداخلي التي يطبق فيها القانون الوطني مباشرة على النزاع.

- التكييف:


بداية نلاحظ انه يتوقف اعمال قاعدة تنازع القوانين على تكييف العلاقة القانونية المعروضة على القاضي ومن هنا تبرز الأهمية القصوى لمسألة التكييف.

وبيان ذلك ان القانون الدولي الخاص يضع العلاقات القانونية في مجموعات مختلفة فلا يتصور ان يفرد لكل علاقة على حدة قاعدة تنازع مستقلة وانما يتم تجميع العلاقات المتشابهة ووضعها في نطاق مجموع واحدة، وهكذا نكون بصدد مجموعات من العلاقات والتي يطلق عليها اصطلاح طوائف الإسناد.

ولهذا عندما يعرض على القاضي أمر تحديد القانون واجب التطبيق على علاقة ما فإنه ملزم أولاً أن يقوم القاضي بإدخال هذه العلاقة ضمن احدى الطوائف القانونية المحددة سلفاً، وبدون هذا التحديد لن يكون في الإمكان معرفة قاعدة التنازع الواجبة الاعمال.

فعلى سبيل المثال تنتمي مسألة أهلية الشخص وحالته الى طائفة الحالة الشخصية، والتي يطبق عليها القانون الوطني للشخص وتخضع العقود لقانون الإرادة المختار من جانب أطراف العقد وهكذا....

فإذا عرض على القاضي امر تحديد القانون وجب التطبيق على علاقة ما وجب عليه تكييفها.

بمعنى إدراجها في احدى الطوائف القانونية فإذا كالنت ينطبق عليها وصف العقد يتم تطبيق قانون الإرادة وإذا كانت من مسائل الأهلية طبقت عليها قاعدة التنازع المناسبة.

ومن الواضح أن التكييف يعد امراً سابقاً على معرفة القانون واجب التطبيق، فمن غير الممكن التعرف على هذا الأخير إلا بعد إدخال العلاقة في الطائفة القانونية التي تناسبها.

وبالتالي طالما انه لا يمكن التوصل إلى معرفة القانون واجب التطبيق على العلاقة إلا بعد إجراء تكييفها بإدراجها ضمن احدى الطوائف القانونية المعدة سلفاً، فإنه يتعين علينا تحديد القانون الذي وفقاً له يتم تكييف العلاقة القانونية.

- تحديد القانون واجب التطبيق في مجال التكييف:


يتعين التمييز بين القانون واجب التطبيق على تكييف العلاقة والقانون واجب التطبيق على العلاقة ذاتها.

ويلاحظ انه يتنازع حكم التكييف قانونيين هما؛ قانون القاضي والقانون الذي يحكم موضوع العلاقة، والراجح هو إخضاع التكييف لقانون القاضي، حيث ذهب (بارتان) وهو أول من استخدم اصطلاح التكييف إلى القول "بأن قواعد وتنازع القوانين تعد قواعد وطنية، وأن التكييف لهذا يجب أن يخضع على قانون القاضي وحده ".

ولكن يلاحظ ان قانون القاضي يطبق على التكييف الأولي دون التكييفات اللاحقة، حيث يقتصر إخضاع التكييف إلى قانون القاضي على التكييف الأولي فقط ولا يمتد إلى ما يسمى بالتكييفات الفرعية أو اللاحقة.

- والتكييف الأولي أو الأساسي هو التكييف اللازم لمعرفة قاعدة الإسناد أو قاعدة التنازع التي تشير الى القانون واجب التطبيق، أما التكييفات الفرعية أو اللاحقة أو الثانوية، فهي لا تخضع لقانون القاضي وانما تخضع للقانون الذي يحكم العلاقة ذاتها.

ذلك أن التكييف اللاحق ليس من شأنه معرفة القانون واجب التطبيق فقد تم معرفة هذا القانون بإجراء التكييف الأولي، ومن ثم يستنفذ قانون القاضي اختصاصه ويكون المرجع في التكييفات اللاحقة الى قانون الموضوع الذي يطبق على العلاقة.

فمثلاً إذا كيف القاضي العلاقة على انها عقد فهذا تكييف أولي يتم وفقاً لقانون القاضي لأنه يمكن معرفة القانون واجب التطبيق إلا به.

أما تكييف نوع العقد وما إذا كان عقد عمل أو عقد بيع أو إيجار أو غير ذلك فهو تكييف لاحق ليس من شأنه معرفة القانون واجب التطبيق لأن هذا القانون تم معرفته بمجرد اجراء التكييف الأولي على انه عقد فيكون القانون واجب التطبيق هو قانون الإرادة المختار من جابن الأطراف، ولهذا يرجع إلى قانون العقد لمعرفة نوع العقد.

- مشكلة الإحالة:


قاعدة التنازع الوطنية تشير إلى تطبيق قانون دولة ما والذي قد يكون قانون القاضي المعروض عليه النزاع أو قانون دولة اجنبية.

وفي الحالة التي يؤدي فيها اعمال قاعدة التنازع الى تطبيق قانون أجنبي لا تهم قاعدة التنازع ببحث محتوى هذا القانون.

والسؤال الآن:


في الحالة التي تشير قاعدة الإسناد على تطبيق القانون الأجنبي، ما هي القواعد التي تطبق في هذا القانون الأجنبي، وذلك لأنه يوجد داخل كل نظام قانوني نوعين من القواعد:

1- القواعد الموضوعية                                        2- قواعد الإسناد

فإذا أشارت قاعدة التنازع الوطنية بتطبيق قانون أجنبي، فهل تطبق القواعد الموضوعية المنصوص عليها في القانون الأجنبي، أم تطبق قواعد التنازع الواردة في هذا القانون.

هو تطبيق القواعد الموضوعية في القانون الأجنبي الذي تشير إليه قاعدة الإسناد وليس قواعد الإسناد في القانون الأجنبي.

حيث من المقرر قانوناً وفقاً لأحكام القانون المصري انه:


إذا تقرر ان قانوناً اجنبياً هو الواجب التطبيق فلا يطبق منه الا أحكامه الداخلية دون تلك التي تتعلق بالقانون الدولي الخاص.

1) الإحالة من الدرجة الأولى (للبلاد التي تأخذ بفكرة الإحالة) وهو الاتجاه الغالب في دول العالم

تكون الإحالة من الدرجة الأولى، عندما تحدد قاعدة التنازع الوطنية قانوناً اجنبياً هو الواجب التطبيق وبالرجوع الى قواعد التنازع في هذا القانون الأخير يقوم القانون الأجنبي بالإحالة على القانون الوطني للقاضي مرة أخرى، فهنا يقوم القاضي الوطني بتطبيق قانونه الوطني.

- التنازع المتحرك للقوانين:


ينتج التنازع المتحرك عن تغيير عنصر من عناصر الإسناد.

ويؤدي هذا التغيير إلى ان العلاقة القانونية بعد ان كانت تحت لواء قانون دولة ما أصبحت متركزة في مجال قانون دولة أخرى.

مثال ذلك: يتم بيع منقول في دولة ما ثم ينقل إلى دولة أخرى.


حل مشكلة التنازع المتحرك للقوانين:


يتعين هنا تحديد مجال تطبيق كل من القوانين التي تتنازع حكم العلاقة ويوجد اتجاهان رئيسيان لحل مشكلة التنازع المتحرك للقوانين:

1) احترام الحقوق المكتسبة:


يقدم هذا الرأي على ان الحق الذي تم اكتسابه في دولة ما يتعين احترامه وعدم المساس به في الدول الأخرى فالمركز القانوني الذي نشأت تحت سلطان قانون دولة ما يتعين ان يتوافر له وصف الصحة في جميع الدول الأخرى وهذا هو مقتضى الاحترام الدولي للحقوق المكتسبة.

فمثلاً إذا تزوج شخصان كلاهما يحمل الجنسية الاسبانية ثم تجنس الزوجان بالجنسية الفرنسية فإن هذا التغيير في عنصر الإسناد (تغير الجنسية) ليس له أي تأثير فيظل الأمر خاضعاً للقانون الأسباني.

ومن ثم لا قبل دعوى التطليق المرفوعة من أحد الزوجين تجاه الآخر في فرنسا حيث ان الزواج غير قابل للانحلال في القانون الأسباني في حين ان القانون الفرنسي يقبل انحلال العلاقة الزوجية.

2) استعارة الحلول المعمول بها في القانون الداخلي:


يتجه الرأي السائد في الفقه إلى حل التنازع المتحرك للقوانين الصادرة من دولتين مختلفتين عن طريق الرجوع إلى المتبع في القانون الداخلي في تحديد مجال انطباق قانونين يتعاقبان في داخل الدولة.

ويتخلص هذا الحل في أن قانون الدولة الجديدة يطبق فقط على آثار المركز القانوني التي تتحقق في ظله بينما يطبق قانون الدولة القديمة على الآثار التي تكون قد تحققت بالفعل في ظل قانون الدولة القديمة ولا يوجد هنا تطبيقاً للقانون الجديد بأثر رجعي فهو يطبق تطبيقاً فورياً لأن اثار المركز القانون لم تتحقق في الدولة القديمة وإنما في الدولة الجديدة.

- ففي المثال المتعلق باكتساب زوجين أسبانيين للجنسية الفرنسية يطبق القانون الأسباني في شأن صحة الزواج وفي آثار الزواج الأخرى التي تحققت قبل اكتساب الجنسية الفرنسية.

أما طلب التطليق فهو باعتباره أثراً لم يتحقق في ظل القانون الأسباني فلا يطبق عليه هذا القانون وإنما يطبق عليه القانون الفرنسي وهو قانون الدولة التي يحدث الأثر في ظله.



End of Topic



(إيجاد)

(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)



ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة