أصل المماليك
معنى كلمة مماليك:
يطلق اسم " المماليك " اصطلاحاً على أولئك الرقيق الأبيض غالباً، الذين درج بعض الحكام المسلمين على استحضارهم من أقطار مختلفة وتربيتهم تربية خاصة، تجعل منهم محاربين أشداء، استطاعوا فيما بعد أن يسيطروا على الحكم في مصر والشام وأحياناً الحجاز وغيرها قرابة ثلاثة قرون من الزمان ما بين 648 – 923 هـ / 1250 – 1517 م.
وكلمة " مماليك " لغة: هي جمع مملوك، وهو الرقيق الذي يباع ويشترى، و " مملوك " اسم مفعول من الفعل " ملك "، واسم الفاعل " مالك " والمملوك هو عبد مالكه، وسموا رقيقاً لأنهم يرقوا لمالكهم ويذلون ويخضعون، ولكنه يختلف عن العبد الذي بمعنى الخادم،
من هم المماليك:
المماليك أسسوا في مصر والشام دولتين متعاقبتين كان مركزهما القاهرة، الأولى دولة المماليك البحرية الأتراك، وحكمت بعد سقوطه الدولة الأيوبية في مصر حتى سنة 684 هـ / 1382 م، حيث بدأت دولة الجراكسة (أصلهم من بلاد الكرج (جورجيا) وهي البلاد الواقعة بين البحر الأسود وبحر قزوين) وهي ما يطلق عليها أيضاً دولة المماليك البرجية، واستمرت حتى سقوط دولة المماليك في مصر والشام، أما المماليك البرجية أو ما يطلق عليهم الجراكسة فهم الجيش الجديد الذي أنشأهم المنصور قلاوون (هو أحد مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب منذ كان عمره أربعة عشر سنة لقب بالألفي كان عظيم الوجه مزهر اللون حسن الشكل فصيحاً في اللغة التركية شجاعاً تولى السلطة في 12 رجب 678 هـ وتوفى في 6 ذي القعد سنة 689 هـ ودفن بالمنصورة ومدة حكمه 11 سنة و3 شهور) ليعتمد عليهم ضد منافسيه من كبار الأمراء وتكون سنداً له ولأولاده من بعده ضد الأمراء الأتراك.
بداية استخدام المماليك:
إن استخدام المماليك لم يبدأ في نهاية العصر الأيوبي، بل بدأ من قبل، حيث إن الدولة الأموية في الاندلس قد استخدمت المماليك، فقد ورد أن هشام بن عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك بن مروان صاحب الأندلس كان أول من استكثر من المماليك بالأندلس، كما أن الحكم بن هشام استكثر من المماليك أيضاً وكان يسميهم الخرس لعجمتهم وكان الخلفاء الأمويون في الأندلس يستخدمون المماليك كجنود في جيوشهم ويستغلونهم في التجسس على باقي الجنود والقادة داخل الجيش، وكانوا الأقدر على الإخلاص في تلك المهمة، ويمكن تفسير ذلك بضعف المماليك واضطرارهم لتلك المهمات لأنهم غرباء وضعفاء ورقيق لا حول لهم ولا قوة ولا يستطيعون رفض الأوامر الملقاة عليهم، وقد بلغ عدد المماليك في الجيش داخل الأندلس في ذلك العهد ما يقارب من خمسة آلاف جندي مملوكي
المماليك في عهد الخليفة المعتصم:
ومما ورد في المصادر التاريخية أن الخليفة المعتصم (هو محمد بن هارون الرشيد ويكنى أبي إسحاق وأمه ولد من مولدات الكوفة وأسمها مارده وكانت أحظى النساء عند هارون الرشيد وكان المعتصم أبيض ولقبه الثماني لأنه ولد سنة ثماني ومائة وله ثماني بنون وثماني بنات ومات وعمره ثمان وأربعون عاماً وخلافته ثمان سنين وثمان أشهر) والمعتصم هو أول من استكثر من المماليك الترك حتى بلغوا في عهده ما يقرب من عشرين ألفاً، وهو الذي بنى لهم مدينة سامرا، في العراق ليقيموا فيها، وقد ورد أن المعتصم جلبهم من سمرقند وفرغانة وأشرسونة والشاش.
واستكثر منهم حتى أصبح تواجدهم يطغى على بقية العناصر الأخرى، ويرى بعض المؤرخين أن سبب إقبال المعتصم على شراء المماليك واستخدامهم في الجيش هو انقسام البيت العباسي، ووجود كتل قوية من العرب والفرس تهدد مصالح الخلافة، فأصبح المعتصم يدرك أنه لابد من قوة جديدة ليس لها مصالح في سلب السلطة، ويبدو هذا الرأي منطقياً حيث أن المأمون كان قد اتخذ من خرسان مقراً له واستعان بالفرس في صراعه مع أخيه الأمين إلا أنهم لم يخصلوا له، بل أخذوا بالتآمر على الخلافة مما جعله يبحث عن قوة جديدة تقف في وجه الفرس فاتجه إلى أخواله الترك فأكثر من شرائهم وأصبح لهم سلطة داخل الخلافة.
المماليك في العهد العباسي الثاني:
أما في العهد العباسي الثاني فقد استطاع المماليك نتيجة لاستكثارهم من المماليك والفئات الشرق آسيوية، حيث وصلت الأمور لحد لا يطاق فيقول ابن طباطبا " كان الخليفة في أيديهم كالأسير إن شاءوا أبقوه وإن شاءوا قتلوه " وبلغت قوة المماليك في العصر العباسي الثاني مبلغاً عظيماً، حيث وصل بهم الأمر إلى أن يقوموا بقتل الخليفة ويجلبوا ابنه أو أخيه مكانه، واستمر تحكم المماليك بالخلفاء فترة طويلة، وذلك لأنهم كانوا الطرف الأقوى في معادلة الحكم وهم أصحاب النفوذ والقوة العسكرية فاستمر نفوذهم من عهد المستنصر إلى عهد المعتضد.
المماليك في عهد خلافة المسترشد:
وظل وضع الدولة العباسية على هذا المنوال إلى أن جاءت خلافة المسترشد فبايعه الناس وكان عمره ثلاثة وأربعين عاماً، وتمكن من فرض سيطرته عليهم حيث عرف بالقوة والشجاعة والفطنة، وحقيقة إن هذا الحال لم يقتصر على البيت العباسي وإنما استطاع المماليك فرض سيطرتهم على بعض البلاد التي استقلت عن الخلافة العباسية واكتفت بالتبعية الأسمية فقط مثل الدولة الزنكية والدولة الطولونية في مصر، وأول من جلب المماليك الترك إلى الديار المصرية هو أحمد بن طولون، وكان قبل ذلك يعتمد على جيش من السودانيين حيث بلغ عدد جيشه من السودان اثنتي عشر ألفاً من السود، وكان وجود المماليك إما بشرائهم كما تم الحديث سابقاً وذلك لضرورة اقتضتها تلك الفترات من التاريخ الإسلامي وخاصة في أوقات الحروب والأزمات ليتم استغلالهم في بناء جيش قوي فيه من الرجال ما يسد حاجة الجيش من العدد اللازم لخوض الحروب لذا فقد كان لابد للأنظمة العسكرية التعامل معها بما يحمي مصالح المسلمين، وإما بسبيهم في المعارك والحروب وخاصة الأطفال منهم وقد كانت أحياناً الهدايا المقدمة للسلاطين والخلفاء تحتوي مجموعات كبيرة من المماليك مما جعل منهم خدما وحاشية وجنوداً في الجيش أيضاً.
المماليك في عهد الإخشيد:
كما أن الإخشيد في مصر استخدم المماليك فقد جعل خمسة آلاف مملوك لحراسته ليلاً وهو نائم، وأصل المماليك من الأكراد والتركمان، كما أنه يوجد أجناس مختلفة من الأتراك والجركس والروم وبعض العرب، وكل سلاطين المماليك كانوا أصلاً مماليك سواء من الترك أو الجركس، ويعتبر عصر سلاطين المماليك البحرية هو عصر سلاطين الترك، أو حتى المغول الذين كانوا يوماً ما أعداء للمسلمين ومنهم " كاتبغا " الذي تسلطن على مصر والشام وكان من افضل السلاطين وخيرهم وأجودهم سيرة ونصرة للإسلام، ومن المدهش أن نجد نصوصاً تدل على وجود مماليك فرنج خاصة في العهد الأيوبي وكان يغلب عليهم الشقرة، ويبدو أنهم كانوا من الذي تم سبيهم خلال المعارك التي كانت تقع بين الأيوبيين والصليبيين الذين كانوا يحتلون مدناً وقلاعاً كثير وخاصة في بلاد الشام، وقد وصل سعر المماليك في هذا الوقت ديناراً لكل خمسة مماليك.
هل المماليك من أصل واحد؟
مما سبق تتضح حقيقة هامة وهي أن المماليك ليسوا من أصل واحد أو من منطقة واحدة وإنما هم نتاج لظروف خاصة بتلك العصور سواء المملوكي أو العصور السابقة له، حيث أن الأمر مرتبط بوجود شريعة متعارف عليها بين الأمم وهي السبي في الحروب التي كانت سبباً أساسياً لوجود المماليك لاسيما حينما يتم أسر أطفال كثر لدرجة جعلت الدول تفكر في حل لهؤلاء المماليك، ولم يكن هناك خيارات أخرى لاستغلال هؤلاء الأطفال سوى استخدامهم كخدم أو تربيتهم وتنشئتهم على الإسلام، ومن ثم ضمهم إلى الجيش وخاصة إذا علمنا حاجة المجتمعات آنذاك للجند، فالحروب كانت أكبر وأكثر من أن يستوعبها مجتمع واحد، وتكاليف الحروب الباهظة وعدد من يقتلون يجبر أي مجتمع على البحث عن بديل، ومن هنا فإن المماليك كانوا جزءاً من الحل المتاح وملاْ ً للفراغ آنذاك.
وبالنسبة إلى أصل معظم المماليك وخاصة في العهد المملوكي فهو الأصل التركي، وذلك استمراراً لما كان في أواخر العهد الأيوبي، وخاصة خلال فترة حكم السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وكان هذا السلطان قد اتخذ قراراً بجمع أكبر عدد من المماليك التركية، ومن المؤرخين المحدثين من عزى سبب ظهور حالة المماليك إلى الفوضى السياسية والفراغ العسكري الذي كان مهداً ملائماً للمماليك بكفاءتهم العسكرية وقدراتهم.
End of Topic
(إيجاد)
(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)
أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة