المبادئ الأساسية في إجراءات المحاكمة
هناك مبادئ تنظم إجراءات المحاكمة الجنائية وهي:
(1) مبدأ علانية المحاكمة
(2) مبدأ شفوية الإجراءات
(3) مبدأ تقيد المحكمة بحدود الدعوى الجنائية
(4) مبدأ تدوين إجراءات المحاكمة
(1) مبدأ علانية المحاكمة:
من المقرر دستورياً وقانونياً أن جلسات المحاكم علنية حيث أن تكون المحكمة علنية.
وبالتالي وفقاً لهذا المبدأ لا يجوز أن يحظر على الجمهور حضور جلسات المحاكمة وذلك لأن حضور الجمهور لا يفيد فقط في حماية المتهم والمتقاضين وإنما يسير الجمهور جهة رقابة على المحكمة لضمان الثقة في الجهاز القائم على المحاكمات.
فالمحكمة الإنجليزية تقرر أنه لا يكفي أن تمارس العدالة، وإنما يتعين أن تشاهد العدالة حيث ممارستها.
ويلاحظ انه، يجب أن يذكر في الحكم أو في محضر الجلسة أن الجلسة علنية أو سرية، وإذا جرت المحاكمة في عدة جلسات فلا يكفي أن تثبت العلانية في الجلسة الأولى أو جلسة النطق بالحكم، وإنما يجب أن يشار إلى أن العلانية قد روعيت في جميع الجلسات.
- مع ملاحظة أن محكمة النقض المصرية قضت بأن خلو الحكم من الإشارة إلى علنية الجلسة لا يبطله.
- الاستثناءات لمبدأ علانية المحاكمة:
حيث بعد أن نص الدستور والقانون على مبدأ العلانية أجاز للمحكمة جعل الجلسة سرية مراعاة للنظام العام أو الآداب حيث للمحكمة أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها.
ويلاحظ أنه، جعل الجلسة سرية لا يكون إلا بحكم، ولا يكفي في ذلك قرار من رئيس الجلسة، ويجب أن يكون هذا الحكم مسبباً.
مع ملاحظة أن جعل الجلسة سرية لا يسرى على الخصوم ووكلائهم، فلهم أن يحضروا الجلسة السرية دون حاجة إلى قرار من المحكمة.
وفي كل الأحوال يجب أن يصدر الحكم في جلسة علنية ولو كانت الدعوى تنظر في جلسة سرية.
(2) مبدأ شفوية إجراءات المحاكمة:
يرتبط مبدأ الشفوية بمبدأ العلانية، حيث بدون الشفوية لا تتحقق العلانية
والمقصود بمبدأ الشفوية أن جميع الإجراءات بالجلسة يجب أن يتم بصوت مسموع.
- الاستثناءات لمبدأ شفوية إجراءات المحاكمة:
لقد أورد المشرع مدة استثناءات على مبدأ الشفوية منها:
1- المحكمات أمام محاكم الجنح: حيث من المقرر انه إذا لم يحض الخصم المكلف بالحضور ولم يرسل وكيلاً عنه يجوز الحكم في عيبته بعد الاطلاع على الأوراق.
2- المحاكمة الاستثنائية: حيث يشترط أن يضع أحد أعضاء الدائرة تقرير موقعاً عليه منه.
3) المواجهة بين الخصوم: يقصد بمبدأ المواجهة أن يتاح للخصم في الدعوى الجنائية أن يواجه خصمه ليتعرف على ما يطرحه من أدلة ويتمكن من تفسيرها.
حيث من خلال الأدلة المقدمة من كل خصم ومناقشتها من الخصم الآخر تتمكن المحكمة من تكوين عقيدتها في الدعوى مع ملاحظة أنه يرتبط بمبدأ المواجهة، الاطلاع على ما لدى الخصم الأخرى من أدلة.
وكذلك إعلان الخصوم بالإجراءات التي تتخذها المحكمة حيث يتمكنوا من الاطلاع عليها وتتمسك المحكمة من إجراءها في مواجهتهم.
(3) مبدأ تقيد المحكمة بحدود الدعوى:
1) تعريف مبدأ تقييد المحكمة بحدود الدعوى:
يعني هذا المبدأ أن سلطة المحكمة تنحصر في نطاق الدعوى التي أدخلت في حوزتها من قبل سلطة الاتهام وليس لها ان تخرج على هذا النطاق والا كان قضاؤها باطل.
ويتأسس تغير المحكمة بحدود الدعوى المحالة إليها من سلطة الاتهام على مبدأ الفصل بين الوظائف القضائية وبصفة خاصة مبدأ الفصل بين وظيفتي الاتهام والمحاكمة، والذي يعتبر احدى الضمانات الأساسية لحيدة القاضي.
وبالتالي لا يجوز للمحكمة أن تفصل في دعوى لم ترفع لها من سلطة الاتهام، كما ان على المحكمة ان تتقيد بحدود هذه الدعوى، فإذا تجاوزات هذه الحدود فإنها تكون قد جمعت في يدها بين سلطتي الاتهام والمحاكمة في القدر الذي تجاوزت فيه، وهو ما لا يجيزه القانون الحديث.
حيث من المقرر قانوناً انه لا يجوز معاقبة المتهم عن واقعة غير التي وردت بأمر الإحالة أو طلب التكليف بالحضور، كما لا يجوز الحكم على غير المتهم المقامة عليه الدعوى.
2) حدود الدعوى أمام المحكمة:
من المقرر قانوناً أن للدعوى الجنائية حدوداً معينة لا ينبغي للمحكمة أن تتجاوزها هذه الحدود نوعان؛ حدود شخصية، وحدود عينية.
(أ) الحدود الشخصية:
- فالمحكمة تتقيد بالحدود الشخصية للدعوى، أي أنها تتقيد من حيث الأشخاص المقامة عليهم الدعوى، فلا يجوز لها أن تقضي بالإدانة أو البراءة على شخص لم يقدم إليها من جهة الاتهام بوصفه منها بجريمة معينة.
(ب) الحدود العينية:
والحدود العينية للدعوى في الوقائع التي أُحيلت للمحكمة من سلطة الإحالة فال تجوز معاقبة المتهم عن واقعة غير واردة بأمر الإحالة أو في طلب التكليف بالحضور، ولو كان للواقعة أساس من التحقيقات.
فمثلاً:
إذا كان المتهم قد أحيل للمحكمة بتهمة الاعتداء بالضرب على شخص معين ولكن المحكمة أدانته عن الاعتداء بالضرب على شخص آخر فإنها تكون قد فصلت في واقعة لم تكن معروضة عليها ويكون حكمها واجباً نقضه.
ويلاحظ أنه، إذا لم تتقيد المحكمة بالوقائع التي أحيلت إليها فإن قضاءها يكون باطلاً ولا يصح هذا البطلان قيام المحكمة بتنبيه المتهم إلى ذلك وان يكون المتهم قد أبدى دفاعه على أساس الواقعة الجديدة.
ذلك أن الأمر يتعلق بعدم إقامة الدعوى من اجل هذه الواقعة على النحو الذي يحدده القانون وهو ما يعني عدم اتصال الواقعة بسلطة المحكمة.
3) سلطة المحكمة في نطاق حدود الدعوى:
من المقرر قانوناً أن للمحكمة أن تغير في حكمها الوصف القانون ي للفعل المسند للمتهم ولها تعديل التهمة بإضافة الظروف المشددة التي تثبت من التحقيق أو المرافعة في الجلسة ولو كانت لم تذكر بأمر الإحالة أو التكليف بالحضور.
ولها أيضاً إصلاح كل خطأ مادي وتدارك كل سهو في عبارة الاتهام مما يكون في امر الإحالة أو في طل التكليف بالحضور وعلى المحكمة من تنبيه المتهم إلى هذا التغيير وان تمنعه آجلاً لتحضير دفاعه بناء على الوصف أو التعديل الجديد إذا طلب ذلك.
وبالتالي أعطى المشرع للمحكمة سلطة واسعة في نطاق حدود الدعوى الشخصية والعينية.
فلها أن تغير من الوصف القانوني للواقعة ولها أن تعدل التهمة بإضافة ظروف مشددة كما لها استبعاد بعض الوقائع وللمحكمة أيضاً إصلاح الخطأ المادي أو السهو الذي وقعت فيه سلطة الاتهام، وذلك كالتالي:
(أ) تغيير الوصف القانوني لواقعة:
إذا كانت المحكمة مقيده بالوقائع المذكورة بأمر الإحالة أو التكليف بالحضور فإنها غير مقيده بوصف هذه الوقائع فالمحكمة تختص بالبحث عن الوصف القانوني الصحيح للأفعال الإجرامية المسندة إلى المتهم والمواد المطبقة على هذه الأفعال.
وللمحكمة سلطة تغيير الوصف القانوني للواقعة إلى وصف أشد مما ورد في قرار الإحالة إذا أقر التكليف بالحضور.
بل لها أن تسبغ على الواقعة وصفاً أشد لا تختص به وعليها بعد ذلك أن تسند إلى هذا الوصف القضاء بعدم اختصاصها وتطبيقاً لذلك:
فإن للمحكمة أن تعدل وصف التهمة من سرقة إلى إخفاء أشياء مسروقة ومن اختلاس إلى نصب وأن تغير من اعتبار المتهم فاعلاً أو شريكاً، وللمحكمة أن تغير وصف التهمة من قتل عمدي إلى ضرب أفضى إلى موت
ولكن الشرط الذي تتقيد به المحكمة حين تغير الوصف القانوني للواقعة هو ألا تسند إلى المتهم فعلاً غير الذي رفعت به الدعوى وإلا كان مجاوزة الحدود العينية للدعوى.
(ب) تعديل التهمة بإضافة ظروف مشددة:
حيث للمحكمة وفقاً للقانون تعديل التهمة بإضافة ظروف مشددة من مثبت من التحقيق أو المرافعة في الجلسة حتى ولو لم تفكر في أمر الإحالة أو التكليف بالحضور.
وتطبيقاً لذلك:
فإن للمحكمة أن تضيف إلى القتل أو الضرب إذا ظرف مسبقاً الإصرار أو الترصد إلى القتل، وللمحكمة أن تعدل وصف التهمة من إصابة خطأ إلى قتل خطأ ومن ضرب عمد إلى ضرب أفضى إلى موت إذا ثبت أن المجني عليه قد توفي بسبب الإصابة وذلك على الرغم من أن الوفاة لا تعتبر ظرف مشدد للتهمة التي أُحيل بها المتهم، ألا أنها تعتبر واقعة لاصقة بها.
ولكن يقيد المحكمة في تعديل التهمة قيدان:
1- أن تكون الوقائع التي يقوم بها الظرف المشدد قد تناولها التحقيق الابتدائي أو ظهرت أثناء تحقيق المحكمة
2- أن تكون إضافة العنصر الجديد قد تمت أثناء التحقيق وقبل الحكم في الدعوى.
- استبعاد بعض الوقائع:
ينعقد الاتفاق في الفقه والقضاء على أن للمحكمة أن تغير من وصف التهمة باستبعاد بعض الوقائع أو الأفعال سواء لعدم ثبوتها أم لعدم ثبوت نسبتها للمتهم
فالمحظور هو إضافة وقائع جديدة وليس باستبعاد وقائع.
فمثلاً:
إذا أحيل المتهم للمحكمة بتهمة سرقة بالإكراه ثم تبينت المحكمة انتفاء عنصر الإكراه فلها أن تغير وصف التهمة إلى سرقة بسيطة.
- تدارك الخطأ المادي والسهو وإضفاء الوضوح على الواقعة:
حيث للمحكمة أن تضفي الوضوح على بيان الاتهام أو أن تفصل الإجمال الذي صاغ فيه الاتهام بيان الواقعة أو تغير من تفصيلات التهمة وتردها إلى صورتها الصحيحة.
فمثلاً:
إذا ذكر في امر الإحالة خطأ أن واقعة العاهة المسندة إلى المتهم هي باليد اليمنى في حين أنها باليد اليسرى فهذا مجرد خطأ في الكتابة مما تملك المحكمة المحال إليها الدعوى تصحيحه والسير في المحاكمة على أساس التصحيح.
3- التزام المحكمة بتنبيه المتهم إلى التعديل في الوصف القانوني للتهمة والى التعديل بإضافة ظروف مشددة، وفي حالات تدارك الخطأ والسهو.
- فالمحكمة ملزمة بتنبيه المتهم في حالتي تعديل الوصف القانوني وإضافة الظروف المشددة وإلا كانت مخلة بحقوق الدفاع.
لأن المتهم قد أعد دفاعه على أساس الوصف الذي أحيل به للمحكمة، ومن ثم يكون من حقه أن ينبه إلى أي تعديل في هذا الوصف حتى يعيد ترتيب دفاعه على أساس الوصف الجديد.
ويرتبط بالالتزام بالتنبيه التزام المحكمة بمنح المتهم آجلاً لتحضير دفاعه إذا طلب ذلك، أما إذا ترافع المتهم مباشرة على أساس الوصف الجديد مما يغير علمه وعدم حاجته لأجل التحضير دفاعه، فلا تلتزم المحكمة بالتنبيه أو منح الأجل، إذ ليس في ذلك إخلال بحقوق الدفاع.
ولكن لا تلتزم المحكمة بالتنبيه إذا كان التعديل قد اقتصر على استبعاد بعض الوقائع الواردة في قرار الإحالة، لأن ذلك لا يقتضي تعديلاً في خطة الدفاع عن المتهم.
(4) مبدأ تدوين إجراءات المحاكمة:
من المقرر قانوناً انه يجب أن يحرر محضر بما يجري في جلسة المحاكمة، ويوقع على كل صفحة منه رئيس المحكمة، وكاتبها في اليوم التالي على الأكثر.
- ولا يوجد تعارض بين مبدأ شفوية إجراءات المحاكمة وتدوينها فالإجراءات تم شفاهة وتم كتابتها وكل من المبدأين ضروري ويتم إعمالها معاً.
والهدف من ذلك هو تمكين الخصوم في الاحتجاج بحصولها أو بعدم حصولها وترتيب الأثار القانونية على ذلك.
فمثلاً:
لا يمكن للخصوم أن يثبتوا عدم الرد على دفوعها أو أوجه دفاعهم أو عدم الاستجابة لطلباتهم من قبل المحكمة إلا بالرجوع إلى ما هو مدون بمحضر الجلسة ويثبت بالحكم.
كذلك فإن محكمة الطعن لا تستطيع مراقبة صحة الإجراءات ومطابقتها للقانون إلا من خلال محضر الجلسة والحكم.
- البيانات التي ينبغي أن يتضمنها محضر الجلسة:
- إذا كان القانون الزم رئيس المحكمة والكاتب بالتوقيع على كل صفحة من صفحات المحضر إلا انه لا يترتب البطلان على عدم التوقيع على المحضر أو التأخير في التوقيع ما دام المتهم لا يدعي ان شيئاً مما دون في المحضر يخالف الحقيقة.
ويلاحظ أن محضر الجلسة وحكم المحكمة يكمل كل منهما الآخر، فالمحضر يكمل البيانات الناقصة ويصحح الأخطاء المادية في الحكم كالخطأ في اسم رئيس الجلسة أو في مكان وقوع الجريمة، والحكم يكمل بدوره محضر الجلسة.
- حجية محضر الجلسة:
إذا لم يذكر في محضر الجلسة أو في الحكم أن الإجراءات قد روعيت فالأصل أنها قد اتبعت أثناء نظر الدعوى ومع ذلك يكون لصاحب الشأن أن يثبت أن تلك الإجراءات قد أُهملت أو خولفت مكانة طرق الإثبات.
ولكن إذا ذكر في محضر الجلسة أو في الحلم أن الإجراءات قد روعيت فال يجوز إثبات عدم إثباتها إلا بطريق الطعن بالتزوير.
End of Topic
(إيجاد)
(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)
أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة