الصحة النفسية
مظاهر الصحة النفسية
إن التعرف على مدى تمتع الفرد بالصحة النفسية من عدمه لا يتأتى بالصدفة وإنما لابد ن يكون هناك مظاهر من خلالها يتم التعرف على الصحة النفسية للفرد، لذا رأى بعض علماء النفس تحديد هذه المظاهر الموجودة نسبياً في الشخصية المتمتعة بالصحة النفسية وغير موجودة في الشخصية العصابية ومن هذه المظاهر:
1- التوافق الذاتي:
- هل أنت متوافق مع نفسك؟
ويتضمن التوافق الذاتي الرضا عن النفس، (أنا راضٍ عن نفسي) ويقصد بالرضا عن الذات أو النفس أن يقبل الفرد ذاته كما هي بكل جوانبها وأن يكون لديه مفهوم إيجابي عن ذاته.
- كيف يتم تكوين مفهوم ذات إيجابي؟
تلعب الأسرة دوراً كبيراً في تكوين هذا المفهوم الإيجابي عن الذات عند الغرب، وذلك من خلال الممارسات الوالدية داخل الأسرة، فكلما كانت هذه الممارسات إيجابية سوية وهادفة أدت إلى تكوين مفهوم إيجابي عن الذات لدى الطفل هذا المفهوم الإيجابي ينعكس بدوره على توافق الفرد ذاتيا ولكن يبقى إدراك الفرد لهذه الممارسات ذو أهمية في تكوين هذا المفهوم، فإذا كان هذا المفهوم يتفق مع الممارسات الوالدية الإيجابية أدى إلى تكوين مفهوم إيجابي عند الفرد عن ذاته وبالتالي توافقه. لذا أعتبر هذا المظهر من المظاهر المهمة للصحة النفسية والتي تلعب فيه الأسرة دورا كبيرا من خلال التنشئة الاجتماعية، ومن المهم أن نعرف أننا نختلف لنتكامل، وأن إدراك الفرد لما زود به من امكانيات ورضاء عن نجاحه في تحقيق ما زود به من دلائل الصحة النفسية السليمة، وإدراك أن الناس مختلفون فيما زودوا به من إمكانيات سواء أكانت عقلية أو معرفية أو الفعالية أو واقعية وأن يدرك الفرد أن هذا الاختلاف في صالح البشرية، فنحن نختلف للتكامل وأن من الخير للإنسان أن يرضى بذلك القدر من الامكانات وأن يعمل على الانتفاع بها واستثمارها وتحقيقها، ولا يقوم هذا الرضا على استسلام أو خضوع وأن يقوم على إدراك واقع الحياة التي نعيشها، فهناك ما تستطيع السيطرة عليه وهناك أيضا من جوانب هذه الحياة ما تعجز عن السيطرة عليه ومما يؤدى إلى رضا الفرد عن نفسه أيضا إدراكه لنجاحه في تحقيق إمكانياته المختلفة وشعوره بأنه حقق أو في سبيل تحقيقه لأهدافه التي اختارها بحرية ولم تفرض عليه من الآخرين.
2- التوافق الاجتماعي:
- هل أنت متوافق مع الآخرين؟
إن الفرد بطبيعته كائن اجتماعي لا يعيش بمعزل عن الآخرين، فهو يقيم وسط مجموعات بشرية تربطه علاقات متنوعة، فالفرد يوجد داخل أسرة قد تكون أسرة كبيرة أو صغيرة، ويكتسب الفرد من خلال التنشئة الأسرية الكثير من التقاليد والعادات والمعايير الاجتماعية التي يقرها المجتمع، وبالتالي تصبح من عوامل الضبط الاجتماعي لسلوكيات الأفراد داخل هذا المجتمع.
فالفرد يتعلم احترام قوانين المجتمع والعمل على الحفاظ عليها وعدم الخروج عنها، والأسرة من خلال هذه المهمة الحيوية تهي الطفل أو الفرد القيام بدوره كعضو في المجتمع، وبعد فترة من الزمن ينتقل هذا الطفل إلى المدرسة لتصقل ما اكتسب داخل الأسرة بأساليب أكثر علمية وتربوية ثم ينتقل الفرد عبر مراحله العمرية إلى مرحلة أكثر فاعلية وهو مجال العمل وتكوين أسرة.
ويشتمل التوافق الاجتماعي على التوافق الأسري والتوافق المدرسي والتوافق المهني والتوافق الاجتماعي بمعناه الواسع، أن قدرة الفرد على التوافق الاجتماعي وقدرته في تكوين علاقات اجتماعية سوية مع الآخرين مظهر من مظاهر الصحة النفسية حيث تعتبر العلاقات الاجتماعية بما تقدمه من دعم اجتماعي مصدر من مصادر الصحة النفسية وبذلك فإن الدعم الاجتماعي تزداد أهميته للأسباب التالية:
- ربما كان له تأثير فورى على نطاق الذات بحيث يزيد من تقدير الذات والثقة بها.
- ربما له تأثير مباشر على الانفعالات إذ يولد التفاعل الاجتماعي الداعم درجة من المشاعر الإيجابية تخفف من أعراض الاكتئاب والقلق.
- إن الأهداف الخارجية يدركها المرء على أنها أقل مشقة عندما يشعر أن الدعم والمساعدة متوافران ومن ثم فإنه سيتمكن من مواجهة المشكلة.
3- الشعور بالسعادة:
- من هو الذي يستشعر السعادة؟
علمنا مما سبق أن هناك توافقا مع الذات وتوافقا مع الآخرين فهل هناك شعور بالسعادة مع الذات وشعور بالسعادة مع الآخرين؟
ولذلك اعتبرت قدرة الفرد على التضحية وخدمة الآخرين عن طريق البذل والعطاء مؤشراً من مؤشرات الصحة النفسية.
نعم هناك شعور بالسعادة مع الذات ومع الغير كما يلي :
(أ) الشعور بالسعادة مع النفس:
ودلائل ذلك الشعور بالسعادة والراحة النفسية لما للفرد من ماضي نظيف وحاضر سعيد ومستقبل مشرق ويتأتى ذلك عن طريق الاستفادة من خبرات الحياة اليومية السارة وإشباع الدوافع والحاجات النفسية الأساسية والشعور بالأمن والطمأنينة والثقة ووجود اتجاه متسامح نحو الذات واحترام النفس وتقبلها والثقة فيها ونمو مفهوم موجب للذات وتقدير الذات حق تقديرها.
(ب) الشعور بالسعادة مع الآخرين:
ودلائل ذلك حب الآخرين والثقة فيهم واحترامهم وتقبلهم والاعتقاد في ثقتهم المتبادلة ووجود اتجاه متسامح نحوهم والقدرة على إقامة علاقات اجتماعية سليمة ودائمة والصداقات الاجتماعية والانتماء للجماعة والقيام بالدور الاجتماعي المناسب والتفاعل الاجتماعي السليم والقدرة على التضحية وخدمة الآخرين والاستقلال الاجتماعي والسعادة الأسرية والتعاون وتحمل المسئولية.
إن صحة الفرد النفسية تبدو جلية وواضحة في مدى استمتاعه بالحياة ويعمله وأسرته وأصدقائه وشعوره بالطمأنينة والسعادة وراحة البال يحب الناس ويحب القيم الأخلاقية العامية، ومع ذلك فكل منا قد يتعرض احياناً لضيق عابر وقلق عرضي ولكن الفرد الذى يتمتع بصحة نفسية جيدة يستطيع أن يواجه مثل هذه الأزمات والشدائد ويحاول حلها حلاً سوياً سليماً والشعور بالسعادة لا يكتمل إلا باتباع ما أمر الله به سبحانه وتعالى واجتناب ما نهى عنه.
- ما الفرق بين كل من السعادة واللذة والسرور؟
من أجل الوصول لفهم صحيح لمعنى كلمة "السعادة" علينا أن نفرق بين معاني الكلمات الآتية: اللذة والسرور والسعادة، فاللذة قصيرة المدى وزائلة وكثيراً ما ترتبط بالناحية الجسمية كاللذة الصادرة من المأكل والملبس والمشرب، وأما المرور فإنه أطول مدى ويتصف بأنه نفسي متصل ببعض العواطف، فالإنسان يسر من مقابلة صديق أو شفاء قريب، وأما السعادة فإنها أطول عادة في عمرها من كل من اللذة والسرور وقد تستمر مع الشخص مدى الحياة والإنسان يسعد عادة لقيامه بواجب يؤمن به، أي أن نكرة أداء هذا الواجب يحقق فكرة المرء عن نفسه ويشعر بالسعادة تبعاً لذلك، فالسعادة نتيجة لتحقيق الذات وبعبارة أخرى هي نتيجة لوضع النزعات التي تعتز بها الذات موضع التنفيذ العلمي.
4- تحقيق الذات واستغلال القدرات:
- كيف تحقق ذاتك وتستغل قدراتك بشكل سليم؟
إن فكرة الفرد عن نفسه هي النواة الرئيسة التي تقوم عليها شخصيته، كما أنها عامل أساسي في تكيفه الشخصي والاجتماعي فالذات تتكون من مجموع إدراكات الفرد لنفسه وتقيميه لها ، فهي إذ تتكون من خبرات إدراكية وانفعالية تتركز حول الفرد باعتبار أنها مصدر للخبرة والسلوك وللوظائف .ومن دلائل ذلك فهم النفس والتقييم الواقعي والموضوعي للقدرات والإمكانات والطاقات وتقبل نواحي القصور وتقبل الحقائق المتعلقة بالقدرات موضوعيا وتقبل مبدأ الفروق الفردية واحترام الفروق بين الآخرين وتقدير الذات حق قدرها واستغلال القدرات والطاقات والإمكانات إلى أقصى حد ممكن.
ويرى ماسلو أن الأشخاص المحققين لذواتهم مكتملي النضج والإنسانية فهم أشخاص قد تحقق لهم بالفعل وبطريقة ملائمة إشباع في كل حاجاتهم الرئيسة فهم يتسمون بالشعور بالانتماء والثبات وهم مشبعون في حاجاتهم إلى الحب ولديهم أصدقائهم وهم يحظون بمكانة وبموقع في الحياة وباحترام الآخرين ومن قبله احترام الذات، وهكذا يعتبر أصحاب التوجه الإنساني في علم النفس الشخصية السوية أو الصحية هي الشخصية المحققة للذات.
وقد يوجد بعض الأشخاص ممن يدركون أنفسهم على حقيقتها ويفهمون ذواتهم فهماً واقعياً عن وعي واستبصار وفى ذلك ما يهيئ لهم أن يجتنبوا مواقف الإحباط والإخفاق والفشل ويساعدهم على الاتجاه السليم وتحقيق أهدافهم والتوافق في حياتهم، ولكن في ذات الوقت يلاحظ أن الكثيرين يميلون إلى المبالغة فيتصور قدراتهم ويتوهمون في أنفسهم أكبر من طاقاتهم، كما يحاول البعض الآخر أن يقال أو يهون من شان نفسه ويركز على نواحي قصوره وعيوبه ونقائصه ولا يستطيع بسبب ما يعانيه من الشعور بالنقص أن يرى إمكاناته على حقيقتها بوضوح، ويتركز تقبل الذات على بعض المقومات الرئيسة وهي:
- فهم الذات وهو إدراك الذات ويتصف بالصدق والواقعية والحق والصراحة والمواجهة، ولهم الذات ليس مجرد الاعتراف بالحقائق ولكن أيض التحقق من مغزى هذه الحقائق.
- يتوقف فهم الفرد لذاته ليس على قدراته العقلية فحسب ولكن أيضا على فرص اكتشافه لذاته فينبغي أن تتاح له فرصة اختبار قدراته دون أن يلقي حماية زائدة من الآخرين.
- قد يأتي نقص فهم الذات من الغذاء والجهل وقد يأتي من نقص فرص اكتشاف الذات أو من نزعة الشخص إلى أن يرى نفسه كما يود أن يكون عليه لا كما هي عليه.
- إن فهم الذات وتقبلها يرتبطان ببعضهما ارتباطاً وثيقا فبقدر ما يكون فهم الشخص لذاته سليماً بقدر ما يكون تقبله لذاته سليم أيضا والعكس صحيح، ويؤدي نقص الذات إلى تدين مفهوم الشخص عن ذاته كما يود أن يكون عليه (مفهوم الذات المثالية والصورة التي يدركها عن نفسه من خلال تفاعله الاجتماعية مع الآخرين (مفهوم عن الذات الواقعية)، ففهم الفرد لذاته يمثل بذلك مقوما مهماً من مقومات السوء النفسي.
5- اتخاذ أهداف واقعية في الحياة:
عندما تستغل قدراتك بشكل سليم فيجب أن تكون أهدافك واقعية إن الشخص المتمتع بالصحة النفسية هو الذي يضع أمام نفسه مثلاً وأهدافا ومستويات للطموح ويسعى للوصول إليها ولو كانت تبدو له في غالب الأحيان بعيدة المثال، فالتكيف المتكامل ليس معناه تحقيق الكمال بل يعنى بذل الجهد والعمل المستمر في سبيل تحقيق الأهداف ولكى يتحقق هذا الجنب ألا يكون الفرق شاسعاً بين فكرة الشخص عن نفسه وبين الأهداف ومستويات الطموح التي وضعها لنفسه، فالشخص الذي يتخذ لنفسه أهدافاً أعلى من مقاله بكثير إنما يعرض نفسه للشعور الدائم بالخيبة والفضل والإحباط واحتقار الذات، كما أن الشخص الذى يضع لنفسه أهدافا أقل بكثير من قدراته وفكرته عن نفسه هو أيضاً شخص غير سوي إذ أنه لا يستغل جميع قدراته في سبيل نفسه أولا ثم الجماعة التي ينتمى إليها.
وإن من أهم الإشارات إلى وجود اضطراب نفسي عدم تمكن الفرد من جعل طالته الجسدية والنفسية أمراً واقعياً بحيث تعمل في كامل حدود استطاعته.
6- النجاح في العمل:
إذا نجحت في عملك فانت صحيح نفسيا، (لا تكره عملك)، احبب ما تعمل كي تعمل ما تحب
يوجد بعض الأفراد الذين يؤدون أعمالاً وهم لها كارهون أو أعمالاً غير ملائمة لقدراتهم وإمكانياتهم واستعداداتهم، إذ قد تكون متطلبات هذه الأعمال أكثر مما يستطيعه الشخص أو أقل منه
إن وضع الفرد المناسب في العمل الملائم من أهم الموضوعات التي تصدى لها علم النفس المهني الذي يستهدف الموائمة بين الفرد والعمل من حيث التوجيه المهني الذي يرمي إلى مساعدة الفرد على اختيار الأعمال التي تتناسب مع قدراته واستعداداته وميوله وميزاته الشخصية وخبراته بما يحقق له الرضا والإشباع، كذلك من حيث الانتقاء المهني الذي يستهدف انتقاء أصلح فرن الأداء العمل بنجاح.
وتوجد علاقة واضحة بين الصحة النفسية وما يتركه العمل من اثار فلا شك أن الفضل والإحباط في العمل قد يؤدى إلى اضطراب الاتزان النفسي لدى بعض الأفراد الذين يكونون أصلا طبيعيين راضين عن أنفسهم، كما أن الاستقرار النفسي ومدى ما يتمتع به الفرد في عمله من تكيف يؤدى إلى زيادة الإنتاج.
إن العمل بالنسبة للأفراد مصدر من مصادر الأمن الاجتماعي حيث يشعر الفرد بكيانه ووجوده داخل مجتمعه من خلال ما يقوم به من عمل، كما أن العمل يمثل مصدراً من مصادر الأمن المعيشي من خلال ما يتقاضاه من المال مقابل ما يقوم به من مهام وظيفية، كما أن العمل يعتبر مصدراً مهما من مصادر تحقيق الفرد لذاته.
- ما هي مكونات الرضا عن العمل؟
تتمثل مكونات الرضا عن العمل فيما يلى:
أ) زملاء العمل:
حيث يزيد الرضا عن العمل لدى أولئك الذين يتمتعون بشعبية في بيئة العمل والذين ينتمون إلى جماعة عمل متجانسة ومن تتاح لهم فرص أكثر للتفاعل الاجتماعي اثناء العمل، ويتمثل أساس هذه الإشباعات في جوانب عملية تتمثل في النصح والمساعدة والرضا المتحقق من التعاون في أداء عمل مشترك.
ب) العلاقة مع الرؤساء والمرؤوسين:
يعتمد الرضا عن العمل على العلاقات الإنسانية داخل التدرج الوظيفي، فالمرؤسون يكونون أكثر سعادة في ظل أساليب معينة من الإشراف كالتقدير من جانب المشرفين والتشجيع على المشاركة في اتخاذ القرار.
ويعتبر زملاء العمل مؤشرا من مؤشرات الرضا عن العمل، وتؤكد حركات العلاقات الإنسانية على أهمية العوامل الاجتماعية في العمل، ويعتبر زملاء العمل مصدرا من مصادر التدعيم كجزاء اجتماعي، وترتبط الرضا عن العمل ارتباطا مرتفعا مع شعبية الفرد أو مدى تقبل الجماعة له.
ويمثل الدعم الاجتماعي من جماعة العمل مصدرا أساسيا للدفاع ضد الأخطار الخارجية، كذلك فهو يقلل من تأثيرات هذه المشاعر على القلق والاكتئاب، وبذلك يمثل الدعم الاجتماعي سواء من الزملاء أو المشرقين مصدرا أساسيا من مصادر الرضا عن العمل ومن ثم الصحة النفسية، ويمكن لهذا النوع من الدعم أن يقي من تأثيرات المشقة في العمل بصورة أكفاً من مصادر الدعم الاجتماعي الأخرى.
ج) الأجر:
ويشكل واحداً من المكونات الأساسية في أي مقياس الرضا عن العمل وهو يعطى مؤشراً جيداً عن الرضا عن العمل بوجه عام.
د) فرص الترقي :
حيث يحتاج الناس لأن يشعروا بأنهم يقومون بالعمل على وجه حسن ويطلبون اعترافاً خارجيا بذلك، والترقي هو أهم أنواع الاعتراف ويحمل معه فائدتين: زيادة في الأجر وتحسن في المكانة.
7- القدرة على مواجهة الأزمات:
- هل أنت قادر على مواجهة الأزمات؟
إن الإنسان في هذا الكون معرض المواقف مختلفة من مواقف الإحباط والقلق هذه المواقف تعتبر وقفة اختبار الفرد في مدى تغلبه عليها أو خضوعه لها والدخول في دائرة الاضطرابات النفسية، وقد قال سبحانه وتعالى في ذلك ولنبلونكم يعني من الخوف والجوع ونقص من الأمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصابرين" [البقرة : ١٥٠]، فالصبر هنا يمثل قدرة الفرد على تحمل مثل هذه الصدمات النفسية التي تمس حياته مباشرة.
وتعتبر قدرة الفرد على الصمود حيال المحن والصعاب والشدائد وضروب الإحباط المختلفة دون أن بختل ميزان صحته النفسية مظهرا من مظاهر الصحة النفسية، فالمؤمن الحق الذي يؤمن إيماناً كاملاً بقضاء الله وقدره خيره وشره، فقد يكون قضاء الله امتحاناً للعبد فما عليه إلا أن يحمد الله على ما أناه منخير أو شر فقد يكون الخير الذى تتطلع إليه شرا لنا بينما الشر الذي نرغب عنه قد يكون فيه خير، حيث قال تعالى "وَعَسَى أَن تُكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تَحدُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تعلمون" [البقرة : ٢١٦].
ويختلف الناس في قدراتهم على مواجهة أزمات الحياة، حيث تختلف قدرة الإنسان على تحمل المشاق ومواجهة مشكلات الحياة اليومية، فيوجد بعض الناس الذين ينزعجون انزعاجاً شديداً عند حدوث تغير غير متوقع في مجرى الأمور أو لعدم حصولهم على ما يريدون، وقد يصل الأمر بهم الى الاضطراب والانهيار لمجرد تعرضهم للإحباطات البسيطة، وعلى العكس من ذلك فهذاك من الناس من يستطيع أن يواجه مشكلات الحياة اليومية بصلابة وقوة مع درجة عالية من التحمل والصمود، فيستطيع أن يواجه مواقف الاحباط باتزان وهدوء دون تسرع أو تخبط أن درجة مواجهة المشاق وتحمل الصعاب تعتبر من أهم مقاييس الصحة النفسية وإحدى المؤشرات للتكيف السليم.
8- الاتزان الانفعالي والنضج الانفعالي:
هل يمكن أن أكون معلماً ناجحا وأنا غير متزن انفعالياً؟
إن الشخص الصحيح نفسيا هو الذي يمكن السيطرة على انفعالاته المختلفة، وذلك بحسب ما تقتضيه الضرورة ويشكل يتناسب مع المواقف التي تستدعى هذه الانفعالات، ويدخل في ذلك عدم اللجوء إلى كبت هذه الانفعالات أو إنفاذها أو الخجل من ناحية أو الخضوع تماما بالمبالغة في إظهارها من ناحية أخرى.
إن ذلك من شأنه أن يساعد الفرد على المواجهة الواعية لظروف الحياة فلا يضطرب أو ينهار للضغوط أو الصعوبات التي تواجهه، كما أن المظهر السليم في الانفعال أن تكون حساسية الفرد الانفعالية متناسبة مما تستدعيه الظروف التي تحيط به وأن تبقى ضمن حدود تحكمه بها تحكماً يتناسب مع مستوى نموه العام.
كما أن الشخص الناجح انفعالياً يستطيع أن يعيش مع : انفعالاته في ارتياح دون أن تسيطر عليه ودون أن تغير تفكيره وتوجه مملوكه وبدون أن يجد أنه من الضروري أن يكون في حرب معها بصفة مستمرة وهو مقتدر في ذلك لأنه قد نمت فيه درجة من تحمل الضغط أو الشدة وتحمل القلق والاكتئاب والاحباط وتحمل الحرمان، وإذا لم يكن كذلك فإنه سيتعرض باستمرار للاضطراب الانفعالي حتى إذا تعلم كيف يقمع انفعالاته إلى درجة أن الآخرين قد يعتبرونه ناجحاً انفعالياً.
ويحدد فرائز الكسندر مضمون النضج الانفعالي بأنه قهر للإحساس بعدم الأمان واتزان في المشاعر والاستجابات الانفعالية، فالشخص الناضج انفعالياً يكون قد أثبت نفسه للآخرين وهو راض عن نفسه قادراً على أن يحول اهتمامه إلى خارج ذاته تجاه بيئته الاجتماعية والمادية وهو قادر على إقامة علاقات اجتماعية سليمة تقوم على الأخذ والعطاء البنانين مع الآخرين وهو فعال ومنتج في عمله ويتميز بالمرونة والموائمة.
9- التحمس والاقبال على الحياة:
- المعلم الكفء متفائل لديه طاقات إيجابية
من العلامات المهمة التي تعبر عن الصحة النفسية للفرد مدى نظرته إلى الحياة وإقبال عليها، فالشخص الذي يتمتع بالصحة النفسية هو الذي ينظر إلى الحياة نظرة مشرقة يعيش يومه بعمق طوله وعرضه مستمتعاً بكل مباهج الحياة المشروعة ممتلئاً بالتفاؤل والحيوية وحب الحياة.
كما أن الفرد الذي يتمتع بقدر طيب من الصحة النفسية يجب أن يكون متفائلا بالحياة مستبشرا بها لا متشائما أو ساخطا عليها حتى في حالات العصر مصداقا لقوله تعالى إن معَ الْعُسْرِ يُسرًا" [الشرح : ٦]
وهذا يوضح أهمية التفاؤل والاستبشار بالحياة، وأن تقدير الحياة والشعور بالرضا للوجود فيها يعنى أن يكون الشخص سعيداً بحياته ويرى أن لها قيمة وفيها ما يستحق أن يكافح ويعاش من أجله.
10- الخلق الرفيع:
- لا تحسبن العلم ينفع وحده مالم يتوج ربه بخلاق
أن يكون الفرد متمتعا بالصفات الحميدة التي تغلب على سلوكه ولا يعنى ذلك أن يتنزه عن الخطأ بطبيعته ولكن يعني ذلك أن يلتزم السلوك السوي وبتجنب السلوك الخاطئ قدر استطاعته.
وخير قدوة لنافي ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان خلقه القرآن الكريم ولد وصفه ربه سبحانه وتعالى بذلك في قوله تعالى: "وإنك لعلى خُلُقٍ عَظِيم" [القلم : 4].
إن الأخلاق الحميدة يحتاجها الفرد في حياته اليومية يحتاجها مع: نفسه فهي تهذيب النفس البشرية والفرد يحتاجها مع الآخرين فهي تكسبه احترام وتقدير الآخرين وجبهم له.
وقد طرقت الأخلاق في الإسلام جميع جوانب الحياة الانسانية سواء كانت روحية أو جسمية، دينية او دنيوية، عقلية أو انفعالية، فربية أو اجتماعية، وبحث القرآن الكريم على التحلي بالأخلاق الفاضلة واتباع الأسلوب القويم والابتعاد عن الأذى والشر وسوء الخلق، ومن أهم المبادئ والقيم الأخلاقية التي يحث عليها الإسلام أدب الحديث والتسامح والرحمة والحلم والصفح والعدالة في الأقوال والأفعال والصدق والأمانة والوفاء والإخلاص والصبر والحياء.
11- القدرة على التضحية وخدمة الآخرين:
قال تعالى " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تعاونوا على الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [المائدة: ٢].
إن التعاون أمر مطلوب بين أفراد المجتمع في حدود قدرات الفرد وإمكاناته، كما أن كل فرد عضو في جماعة وكل عضو يستطيع أن يعمل ويؤدى خدمات من أجل الجماعة قالت أم كثرت، والصحة النفسية من هذه الجهة تظهر في تعاون الفرد مع غيره من أجل مجتمعه وضمن شروط قدراته وطاقاته كما تظهر في جهده تحو تحسين إنتاجه ووضعه تحمينا يكون الفرد فيه منطلقا باتجاه التعاون والمشاركة.
أن التضحية لها مستويات متعددة، فتجد أن رب الأسرة يضحى من أجل أسرته في سبيل توفير سبل العيش المناسب والضروري، والفرد يضحى من أجل مجتمعه باعتبار أنه أحد أفراد هذا المجتمع، فالفرد يقدم خدمات لباقي أعضاء المجتمع كالفقراء والمحتاجين وغيرهم ممن هم في حاجة لخدمات الآخرين.
ولذلك اعتبرت قدرة الفرد على التضحية وخدمة الآخرين عن طريق البذل والعطاء مؤشراً من مؤشرات الصحة النفسية.
12- الراحة النفسية:
- لماذا تتأزم نفسياً؟
أن من أهم العوامل التي تحيل حياة الفرد إلى جحيم لا يطاق شعوره بالتعب وعدم الراحة والتأزم من الناحية النفسية في جانب من جوانب حياته، وتتضمن أمثلة عدم الراحة النفسية حالات الاكتئاب والقلق الشديد أو الأفكار الوسواسية المتسلطة أو توهم المرض، وإذا راودت هذه الحالات الفرد كثيراً واستبدت به إلى درجه تجعله يعيش في حالة من الضيق والتزم الشديدين فإن ذلك يستلزم مساعدة وتوجيها نفسيا، وهذا يتوقف على الدرجة التي يستطيع معها تحمل المواقف الضاغطة، ولكن ليس معنى الراحة النفسية ألا يصادف الفرد أي عقبات أو مواقع تقف في طريق إشباع حاجاته المختلفة وفي تحقيق أهدافه في الحياة، فكثيراً ما يصادف هذه العقبات في حياته اليومية، وإنما الشخص المتمتع بالصحة النفسية هو الذي يستطيع مواجهة هذه العقبات وحل المشكلات بطريقة ترضاها نفسه ويقرها المجتمع.
أن الانسان في هذه الحياة معرض لصنوف متعددة ومتنوعة من مواقف الإحباط والصراع ولا يوجد فيهذا الكون فرد لا يتعرض لمثل هذه الأزمات مصداقاً لقوله تعالى " ونبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" [الأنبياء :٣٥]
مطالب الحياة كثيرة ومتنوعة والوصول إليها أو الحصول على بعضها ليس بالأمر اليسير وإنما بالجهد والتعب والغذاء والمشقة بسبب وجود بعض العقبات التي تعترض طريق الفرد عند محاولته الوصول إليها.
لذلك نجد أن بعض الأفراد قد نجح في تجاوز هذه العقبات وتحقيق بعض مطالبه، في حين أن البعض الآخر يتعثر دون الوصول إلى المطالب والاستسلام لمثل هذه العقبات وبالثاني فالدخول في دائرة المرض وعدم الشعور بالراحة النفسية لا يعتمد على الخلو من المرض النفسي لقط ولكن أيضا التمتع بالصحة الجمعية لأن بعض الأمراض العضوية لها تأثير كبير على الحالة النفسية للفرد فتثير عنده الفلق والخوف إلا أن استعداد الفرد يبقى له دور في مدى دخوله في دائرة المرض النفسي، لأن هناك بعض الأفراد يتعرضون لكثير من مواقف الإحباط والقلق ولكنهم يستطيعون التغلب عليها ويبقى توازنهم النفسي مستقراً.
13- القدرة على تحمل المسئولية:
- المعلم مسئول عن تلاميذه مسئولية كاملة
إن الإنسان في طور حياته يعيش بين أفراد وجماعات له حقوق وعليه واجبات ومسئوليات تجاه نفسه واتجاه الآخرين المحيطين به، ويجب أن يؤديها حسب معايير وقوانين المجتمع. فالفرد يأخذ من الآخرين ويعطى لهم وهذا دليل على التفاعل الاجتماعي، كما أنه قد يوكل إليه بعض الواجبات الاجتماعية، فنجد أن الوالدين في الأسرة عليهما مسئولية كبيرة في تربية الأطفال من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، فالمجتمع أوكل لهذه الأسرة القيام بهذه المهمة، ويجب على الأسرة أن تؤديها على أحسن وجه وإلا سحبت منها هذه المهمة وأوكلت لجهة أخرى أو ما يسمى بالأسرة البديلة.
كذلك فإن الفرد مسئول عن كل سلوكياته وتصرفاته وعن أقواله وأفعاله، فكلما كان الفرد قادرا على تحمل المسئولية بهدف تطوير مجتمعه والعمل على النهوض به كلما كان ذلك مؤشرا من مؤشرات تمتع العرب بالصحة النفسية وأن الفرد الصحيح نفسيا قد يتفق أو يختلف مع المعايير القائمة أو الأوضاع المتعارف عليها طالما كان الاتفاق أو الاختلاف مبنيا على أسس من الرغبة في تحقيق سعادة أشمل واشباع أعم وأكثر دواما، وطالما كان الشخص أميناً مع نفسية مقتنعاً بما يراه فإن سواءه يتجلى في تحمل مسئولية ما يقوم به من أعمال وعدم الهروب من انفعالاته ومشاعره بإسقاطها على الآخرين.
End of Topic
(إيجاد)
(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)
أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة