المبادئ العامة في إجراءات المحاكمة
إن النظرية العامة للإثبات في المواد الجنائية يتبع نطاقها ليشمل ليس فقط إقامة الدليل أمام قضاء المحاكم بل كذلك لأقامته أمام سلطات التحقيق وسلطات الاستدلال.
ولا يقتصر الإثبات في مفهومه الواسع على إقامة الدليل على وقوع الجريمة وعلى نسبتها للمتهم وإنما أيضاً على نفي التهمة إما لعدم وقوع الجريمة أو لتخلف أحد عناصرها أو لعدم نسبتها إلى المتهم.
فالإثبات لا ينصب فقط على الإدانة، وإنما يشمل أيضاً البراءة، فغايته التوصل إلى الحقيقة.
وذلك بفصح أدلة الإدانة وأدلة البراءة معاً وتقييماً تمهيداً للحكم بالإدانة أو الحكم بالبراءة حسبما ينتهي إليه هذا التقييم.
- والإثبات ينصب على الوقائع وليس على القانون، لأن الفرض أن القاضي يعلم بالقانون ويخضع في تفسيره وتطبيقه على الوقائع القائم إثباتها لرقابة محكمة النقض.
ويلاحظ أنه يختلف الإثبات في المسائل الجنائية عن الإثبات في المواد المدنية في أن الإثبات المدني يميل إلى نظام الأدلة القانونية والذي بمقتضاه يتولى المشرع تحديد الأدلة التي يجوز للقاضي أن يقبلها في حالة معينة كما يحدد القيمة القانونية لكل دليل إذا توافرت له شروط معينة
بينما يحكم الإثبات الجنائي في الأنظمة المعاصرة نظام الاقتناع الذاتي والذي بمقتضاه يعترف القاضي بسلطة في قبول جميع الأدلة، وبسلطة تقديرية في كل دليل، تقدير قيمة الأدلة مجتمعة، واستخلاص نتيجة ذلك وفقاً لما تمليه عليه اقتناعه الشخصي.
ويلاحظ أنه إذا كان نظام الاقتناع الذاتي يعترف للقاضي بسلطة واسعة في تقدير الدليل بأن القاضي يظل مقيداً من حيث القواعد التي تحدد كيفية حصوله عليه والشروط التي يتعين عليه تطلبها فيه، ومخالفة هذه الشروط قد تهدر قيمة الدليل فيستحيل على القاضي أن يتسند إليه في قضائه، وأن كان مقتنعاً بما يستخلص منه.
ويعني ذلك أن مخالفة هذه القطعة تصيب عمل القاضي بالخلل، وتصف في النهاية قضاءه بالبطلان.
1) المبادئ الأساسية في الإثبات الجنائي:
يحكم الإثبات الجنائي مجموعة من المبادئ الأساسية ترتبط فيما بينها بحيث يترتب بعضها على البعض الآخر وأهم هذه المبادئ:
(أ) قرينة البراءة:
وتعني هذه القرينة أن الأصل في المتهم براءته مما اسند إليه ويبقى هذا الأصل حتى تثبت إدانته في صورة قاطعة وجازمة.
وبالتالي إذا لم يقدم إلى القاضي الدليل القاطع على الإدانة تعين عليه أن يقضي بالبراءة كما يترتب على هذه القاعدة أن الشك يفسر لمصلحة المتهم.
- فمن المقرر دستورياً أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل فيها ضمانات الدفاع عن نفسه.
(ب) عبء الإثبات:
يرتبط تحديد الطرف الذي يقع عليه عبء الإثبات في المسائل الجنائية بقرينة البراءة.
حيث تؤدي هذه القرينة أن المتهم بريء بحس الأصل، وهذا الأصل لا يمكن إلزام أحد بإثباته وعلى من يدعي عكسه ان يقيم الدليل على ادعائه، لهذا فإن عبء إثبات الإدانة يقع على المدعي وهو النيابة العامة.
(ج) حرية القاضي في الاقتناع:
1- القاعدة:
من المقرر قانوناً أن القاضي يحكم في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته.
فالقاضي الجنائي غير مقدي بأدلة معينة كما انه لا يحظر عليه اللجوء إلى أدلة معينة فله أن يبني اقتناعه على أي دليل يؤدي عقلاً إلى الحكم الذي ينتهي إليه.
فمثلاً: للقاضي أن يأخذ بقول شاهد في التحقيق الابتدائي دون قول شاهد آخر وللمحكمة أن تستند على دليل بالنسبة لمتهم دون آخر.
2- القيود الواردة على حرية القاضي في الاقتناع:
لا يعني مبدأ حرية القاضي في الاقتناع (المتحكم القضائي) فلا يجوز للقاضي أن يقضي وفقاً لهواه.
ولذلك فإن حرية القاضي الجنائي في الاقتناع تتقيد بالآتي:
(أ) ليس للقاضي أن يبني حكمه إلا على أدلة:
حيث يجب أن يتوافر للقاضي لكي يحكم بالإدانة دليل كامل على الأقل، ولا مانع بعد ذلك من أن يعززه باستدلالات فيكون حكم الإدانة معيباً إذا استند على الاستدلالات وحدها.
(ب) لا يجوز أن يبني القاضي اقتناعه إلا على أدلة طرحت أمامه في الجلسة:
حيث من المقرر انه يجب أن يكون الحكم صادراً عن عقيدة للقاضي يحصلها هو مما يجوبه من التحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بينة لا يشاركه فيها غيره.
وبالتالي: يبطل الحكم الذي اعتمد على أدلة أو وقائع انتقاها من أوراق قضية أخرى لم تكن متضمنة للدعوى المحكوم فيها ولا مطروحة على سلطة البحث تحت نظر الخصوم.
- كذلك من تطبيقات هذه القاعدة انه لا يجوز للقاضي أن يحكم بناء على معلوماته الشخصية أو بناء على ما رآه أو سمعه بنفسه في غير مجلس القضاء.
وهذا لا يحول بطبيعة الحال دون أن يقضي القاضي بناء على حصوله من معلومات أثناء نظر الدعوى كما لا يعد قضاء بالمعلومات الشخصية استناداً لقاضي في حكمه إلى المعلومات العامة التي يفترض في كل شخص الإلمام بها.
(ج) يتعين على القاضي الجنائي أن يستمد اقتناعه من أدلة مشروعة:
لقد حدد المشرع قواعد معينة للحصول على الدليل بحيث تنتفي المشروعية لقد حدد المشرع قواعد معينة للحصول على الدليل بحيث تنتفي المشروعية عن الدليل الذي يتم الحصول عليه بالمخالفة لهذه القواعد ويصبح الدليل باطلاً دون أن يتمسك الخصوم ببطلانه إذا كانت القواعد التي تمت مخالفتها متعلقة بالنظام العام أما إذا كانت القواعد غير متعلقة بالنظام العام فهنا يجب على الخصم التمسك بها فإن حدثت هذه المخالفة تجرد الدليل من القيمة القانونية ولا يجوز للقاضي أن يعتمد عليه ويستمد منه اقتناعه ولقد قررت محكمة النقض المصرية أن:
" للقاضي الجنائي أن يكون عقيدته من أي عنصر من عناصر الدعوى إلا اذا كان هذا العنصر مستمداً من إجراء باطل قانوناً ".
ولذلك يعد باطلاً الحكم الذي استند إلى اعتراف انتزاع بالإكراه أو بالخداع، والحكم الذي اعتمد على شهادة شخصاً غير مميز كما لا يجوز للمحكمة إقامة قناعتها على دليل نتج عن قبض أو تفتيش غير مشروع.
(د) يلتزم القاضي الجنائي عند الفصل في مسائل غير جنائية باتباع طرق الإثبات المقررة في القانون الخاص بتلك المسائل:
حيث من المقرر قانوناً انه تتبع المحاكم الجنائية في المسائل غير الجنائية التي تفصل فيها تبعاً للدعوى الجنائية طرق الإثبات المقررة في القانون الخاص بتلك المسائل.
وتطبيقاً لذلك، فإن إثبات عقد الأمانة يجب أن يكون بالكتابة إذا تجاوزت قيمته النصاب المسموح بإثباته بشهادة الشهود.
مع ملاحظة أن التغير بقواعد الإثبات المدني محله أن تكون الواقعة المدنية عنصراً لازماً لقيام الجريمة.
كذلك يلاحظ أن قواعد الإثبات المدنية لا تتصل بالنظام العام وبالتالي يجوز الاتفاق على مخالفتها ويجب التمسك بها أمام محكمة الموضوع ولا يجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض.
(هـ) التزام القاضي بأدلة إثبات معينة ضد شريك الزوجة الزانية:
لقد قيد القانون إثبات جريمة الشريك في زنا الزوجة بأدلة معينة
ولكن القاضي الجنائي حر في تكوين اقتناعه غير مقيد بأدلة خاصة في إثبات الزنا المنسوب إلى الزوجة أو الزوج، أو شريكته، أما شريك الزوجة الزانية فلا تصح إدانته في تهمة الزنا إلا إذا توافر دليل من الأدلة القانونية الواردة في القانون على سبيل الحصر.
والهدف من هذا القيد هو تفادي الدعاوى الكيدية في موضوع يتصل بالسمعة.
ويكفي أن يستند القاضي في إدانة شريك الزوجة على دليل واحد من هذه الأدلة إذا اقتنع بالإدانة بناء عليه ولكن تقييد القاضي بهذه الأدلة لا يعني انتفاء حريته في الاقتناع فقد لا يقتنع القاضي بهذا الدليل ويحكم بالبراءة على الرغم من توافره، ولكن يصح للقاضي أن يعتمد عليه ولو لم يكن صريحاً في الدلالة على الزنا ومنصباً على حصوله، وذلك متى اطمأن بناء عليه إلى أن الزنا قد وقع.
الأدلة التي لا يصح إثبات زنا شريك الزوجة الزانية بغيرها هي:
1) التلبس بالجريمة:
ويكفي هنا لقيام حالة التلبس أن يكون شريك الزانية قد شوهد معها في ظروف لا تترك مجالاً للشك عقلاً في أن الزنا قد وقع.
- وإثبات حالة التلبس كدليل على زنا شريك الزانية لا يلزم أن يكون بمحاضر يحررها مأمور الضبط القضائي في وقتها وإنما للقاضي أن يكون عقيدته في شأنها شهادة الشهود وذلك على عكس التلبس المنصوص عليه في المادة 3 والممنوحة لمأمور الضبط القضائي.
2) الاعتراف:
والمقصود بالاعتراف اعتراف الشريك نفسه، أما اعتراف الزوجة على نفسها وعلى شريكها فلا تقبل حجة على الشريك حيث قد يكون نتيجة تواطؤ بين الزوجة وزوجها للحصول على تعويض من الشريك.
- ولا يشترط أن يصدر الاعتراف من الشريك في مجلس القضاء أو في محضر رسمي بل يجوز إثباته بكافة الطرق.
3) المكاتيب والأوراق:
والمقصود هنا الأوراق المحررة بخط الشريك والتي يستفاد منها ارتكابه الفعل الذي تقوم به جريمة الزنا.
ولا يشترط أن تكون هذه الأوراق موقعة من الشريك طالما ثبت أنها صادرة منه.
ويجب أن تكون هذه المحررات صادرة من الشريك وليست من الزوجة الزانية حتى ولو كانت قاطعة الدلالة على ارتكاب الزنا.
- ولا تصح الصور الفوتوغرافية الدالة على وقوع الزنا لإثبات هذه الجريمة في حق الشريك لأنها لا يصدق عليها وصف المكاتيب والأوراق، فالصور الفوتوغرافية لا تعد محررات.
4) وجود الشريك في منزل رجل مسلم في المحل المخصص للحريم:
والمقصود هنا أن يثبت وجود المتهم في منزل الرجل المسلم الذي يقيم مع زوجته في المكان المخصص للنساء، أما إذا كانت الزوجة غضبى من زوجها ومقيمة في منزل خاص لم يساكنها فيه الزوج، فوجود أجنبي في منزلها لا يصلح دليلاً على الزنا.
ويشترط أن يتواجد الأجنبي في المكان المخصص للنساء بسبب غير مشروع أما إذا كان بسبب مشروع كما لو كان طبيباً استدعى الإسعاف الزوجة فلا محل لاعتبار هذا الدليل متوافراً.
مع ملاحظة أن وجود أجنبي في مكان مخصص للنساء لا يقطع حتماً بوقوع الزنا، فللمحكمة رغم توافر هذا الدليل أن تحكم بالبراءة إذا تبين لها من القرائن والظروف الأخرى عدم وقوع الزنا.
2) طرق الإثبات الجنائي:
بداية نلاحظ أن القاضي الجنائي غير مقيد بمبدأ عام بأدلة أو بطرق معينة للإثبات ولكن هناك طرق وأدلة معينة للإثبات جرى العمل عليها وهي:
(1) المعاينة:
تعتبر المعاينة وما تسفر عنه من نتائج دليلاً من الأدلة التي يمكن أن تعتمد عليه المحكمة في الإثبات والمقصود بالمعاينة أن تطلع المحكمة بنفسها على الأثار المادية التي خلفها ارتكاب الجريمة للتحقق من كيفية وقوعها ومن طبيعة الأفعال والنتائج التي ترتبت عليها.
حيث من المقرر قانوناً انه ينتقل قاضي التحقيق إلى أي مكان كلما رأى ذلك ليثبت حالة الأمكنة والأشياء والأشخاص ووجود الجريمة مادياً وكل ما يلزم إثبات حالته.
- وتفترض المعاينة الانتقال ولكن يتصور من الناحية العملية أن تتم المعاينة دون انتقال كما لو عاين القاضي حالة المجني عليه المتواجد بالجلسة لتبين مدى وجود إدانة من عدمها.
وتخضع المعاينة لتقدير القاضي فله القيام بها أولاً.
وللمحكمة أن تجري المعاينة من تلقاء نفسها إذا رأت أهميتها في إثبات الحقيقة كما أن للخصوم أن يطلبوا ذلك ولكن المحكمة غير ملزمة بإجابة طلب إجراء المعاينة، وكل ما على المحكمة في حالة رفض طلب إجراء المعاينة أن يكون رفضها سبباً، ولا يعتبر الرفض سبباً إذا ذكرت المحكمة أن محضر المعاينة التي أجرته النيابة كافي.
ويجب أن يعلن الخصوم بالمعاينة قبل إجرائها بـ 24 ساعة غير مواعيد المعاينة، فإذا لم يتم الإعلان وأجريت المعاينة في غيبة الخصوم فأنها تبطل ويبطل الحكم الذي اعتمد عليها.
- وتنتقل المحكمة لإجراء المعاينة بكامل هيئتها وإذا تعذر ذلك جاز لها أن تندب أحد أعضائها أو قاضياً أخر لإجراء المعاينة، ولكن ليس للمحكمة أن تندب النيابة العامة لإجراء المعاينة.
(2) الخبرة:
الخبرة هي الدليل النهائي الإثبات بصفة عامة ويقصد بها في مجال الإثبات الجنائي، إبداء رأي فني من شخص مختص فنياً في واقعة ذات أهمية في الدعوى الجنائية.
ومن أمثلة ذلك؛ في حالة الوفاة قد يتطلب الأمر لرأي فني طبي ولذا لا يستطيع القاضي القيام به، فله الاستعانة بالخبير في هذا المجال.
ويختلف الخبير عن الشاهد في أن الشاهد يقدم معلومات وصلها بحواسه ولا يتطلب منه رأي أو تقييم بشأنها أما الخبير فيطلب من إبداء الرأي في واقعة معينة بناء على ما لديه من معرفة فنية.
والخبير يمكن أبداً له بأخر ويجوز أن يتعدد الخبراء أما الشهود فانهم محددون وبالتالي فإن عددهم يكون محصوراً ولا يمكن إبدالهم بغيرهم.
- سلطة المحكمة في الاستعانة بالخبراء:
من المقرر قانوناً أن للمحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم أن تندب خبيراً واحداً أو أكثر في الدعوى، ولكن المحكمة لا تلتزم بإجابة طلب ندب خبير فهي على حد تعبير محكمة النقض الخبير الأعلى في الدعوى، ولكن المحكمة ملزمة عند رفضها طلب ندب الخبير أن تسبب هذا الرفض.
ولكن إذا كانت المسألة المطلوب ندب الخبير فيها ذات طابع فني بحت، بحيث لا بتصور أن يعتمد القاضي في الفصل فيها على ثقافته القانونية فإن المحكمة تكون ملزمة بندب خبير لأن رفضها ندب الخبير في هذه الحالة مجافاة للأسلوب المنطقي والعلماني التفكير مما يعيب الحكم ويبطله.
- والتزام المحكمة بندب خبير في المسائل الفنية البحتة لا يتوقف على طلب الخصوم بل العبرة دائماً هي بطبيعة المسألة المعروضة.
- الاستعانة بخبير استشاري:
يعتبر حق الاستعانة بخبير استشاري حقاً من حقوق الدفاع، ويجب أن يدفع به الخصم ولكن ليس للمحكمة أن تجيبه إلى طلبه فلها رفضه ولكن يشترط في هذه الحالة أن يكون الرفض سبباً.
- إجراءات الخبرة:
تقرر المحكمة ندب الخبير من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم ولها أن تندب خبيراً أو أكثر وعلى الخبير أن يحلف أمام القاضي اليمين بأن يبري رأسه بالذمة، فإذا لم يحلف كانت مهمته وما أسفر عنه رأيه باطلاً بطلاناً مطلقاً ليعلن ذلك بالنظام العام.
- ويجوز للخبير أن يؤدي مهمته في غيبة الخصوم، ويجوز للخبير أن يتعين في تكوين رأيه بشخص آخر إذ قدر ملائمة ذلك ولكن بدون أن يحلف الشخص الآخر اليمين.
- وللخصوم رد الخبير إذا وجدت أسباب قوية تدعو ذلك، وعلى القاضي أن يفصل في طلب للرد خلال 3 أيام وتقديمه.
وعلى الخبير أن يقدم تقريراً كتابياً.
- سلطة المحكمة في الأخذ برأي الخبير:
القاعدة أن المحكمة غير ملزمة برأي الخبير، لأن القاضي هو الخبير الأعلى في الدعوى وللمحكمة ان تأخذ ببعض ما جاء بتقرير الخبير دون البعض الآخر.
ولكن سلطة المحكمة بخصوص تقرير الخبير تقيد بعدة قيود منها.
1- ليس للمحكمة أن تعتمد على تقارير متناقضة لأكثر من خبير.
2- لا يجوز للمحكمة تغيير رأي الخبير في مسألة فنية سوى بالاستناد للرأي فني آخر.
3- لا يجوز للمحكمة الاستناد إلى أقوال الشهود والتي تناقض تقرير الخبير.
(3) الاعتراف:
هو إقرار المتهم على نفسه بصدور الواقعة الإجرامية.
وبالتالي الاعتراف ينبغي أن يصور عن المتهم نفسه أو ما يصدر عن غير المتهم ويضمن نسبة الواقعة إلى المتهم فلا يعد اعترافاً وإنما شهادة.
كما يتعين أن ينسب المتهم الواقعة إلى نفسه وليس إلى غيره، أما ما ينسبه المتهم إلى متهم آخر وان كان مساهماً معه في نفس الجريمة، فهو ليس اعترافاً بل انه لا يرقى إلى مرتبة الشهادة، وذلك لان المتهم الذي يدلى بأقوال على غيره يُسمع بدون حلف اليمين، وليس لهذه الأقوال سوى قيمة استدلالية
وذلك لأن أقوال متهم على متهم آخر لا تعد اعترافاً ولا شهادة بالمعنى القانوني، ومن ثم لا تعد دليلاً والمحكمة لا ينبغي لها ان تبني عقيدتها سوى على أدلة.
ولقد اعترفت محكمة النقض ذاتها بأن أقوال متهم آخر يشوبها تعارض المصلحة بين المتهمين.
كذلك يلاحظ انه لا يعد اعترافاً ما ينسبه محامي المتهم إليه.
ويشترط أن تكون الواقعة محل الاعتراف ذات أهمية في الدعوى وهي تكون كذلك إذا كانت تتصل بارتكاب الجريمة ونسبتها إلى المتهم.
- شروط صحة الاعتراف:
حتى يصح الاعتراف ويصلح دليلاً تستند إليه المحكمة في تكوين عقيدتها فأنه يجب أن تتوافر عدة شروط.
1) أن يكون من صدر عنه الاعتراف مميزاً
وبالتالي لا يصح اعتراف الصغير غير المميز ولا اعتراف المجنون أو المصاب بعاهة عقلية ويلا يصح اعتراف السكران سواء كان سكر اختياري أو اضطراري.
2) حرية الاعتراف
وبالتالي لا يجوز الاستناد إلي الاعتراف إذا كان وليد إكراه.
3) عدم تحليف المتهم اليمين
وذلك حتى لا يضطر إلى الاعتراف خوفاً من الحنث باليمين، فإذا كان اعتراف المتهم نتيجة حلفه اليمين فإن اعترافه يكون باطلاً ولا يعول عليه.
4) هل يتعين أن يفرغ الاعتراف في شكل معين
لم يحدد المشرع شكل معين للاعتراف ولكن يجب في كل الأحوال أن يكون اعتراف صريحاً
- سلطة المحكمة في تقرير الاعتراف:
إذا توافرت شروط الاعتراف فإن الاعتراف يخضع كدليل إثبات لمبدأ الاقتناع الذاتي فالقاضي يحدد قيمته وفقاً لمطلق تقريره سواء كان الإشراف قد تم أمام النيابة أو المحكمة.
ولكن لا يجوز وفقاً للقانون تجزئة اعتراف المتهم بأن تأخذ بجزء وترفض الباقي، هذا في القانوني المدني ولكن في القانون الجنائي يجوز للقاضي تجزئة اعتراف المتهم وذلك تطبيقاً لمبدأ حرية القاضي في تكوين عقيدته.
ولكن سلطة المحكمة في تجزئة الاعتراف يرد عليها قيدان:
1- ألا يكون في تجزئة الاعتراف مجافاة للمنطق
2- أن يتوقف الفصل في الدعوى الجنائية على الفصل في مسألة تخضع لقواعد الإثبات المدينة فإذا أعترف المتهم بخيانة أمانة بناء على عقد الوديعة الذي يرتبط بينه وبين المجني عليه، وأضاف إلى ذلك انه رد إليه ماله حينما طالبة بذلك فان اعترافه بالوديعة وتسلم المال بناء عليها تم رده بعد ذلك إلى المودع يجب أن يؤخذ على انه لا يقبل التجزئة.
- مدى سلطة المحكمة في الإسناد إلى الاعتراف وحده في الإدانة دون تدعيمه بأدلة أخرى وفقاً للقانون، فالمحكمة أن تكتفي باعتراف المتهم في الحكم بإدانته بشرط أن يكون هذا الاعتراف كافياً لتكوين عقيدتها، فإن كان غير كافي وجب سماع باقي أدلة الدعوى.
- وإذا عدل المتهم عن الاعتراف فإن ذلك لا يؤدي حتماً إلى إهدار الاعتراف، لان تقدير الاعتراف والعدول عنه يخضع لمبدأ الاقتناع الذاتي.
4) الشهادة:
الشهادة هي تقرير يصدر عن شخص في شأن واقعة عاينها بحاسة من حواسه.
فهو كما عرفتها محكمة النقض تقرير شخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه.
الراوية عن الآخرين فلا يجب أن يكون لها أكثر من قيمة الاستدلال، ولا ينبغي أن تعتمد عليها المحكمة وحدها في الإدانة، وإنما يجوز الاعتماد عليها في تدعيم دليل آخر.
- والشهادة تعد دليلاً شفوياً.
والشهادة من الأدلة الهامة في الإثبات الجنائي فهي في الغالب من الحالات تمثل الدليل الوحيد القائم في الدعوى.
- أهلية الشاهد:
تنتفي أهلية الشاهد لأداء الشهادة إذا لم يكن مميزاً أو حراً في اختياره أذا توافرت فيه صفة، فلابد أن يكون الشاهد مميزاً فلا تقبل شهادة الصغير غير المميز ولو على سبيل الاستدلال، ولا تقبل شهادة المجنون ولا السكران، ولا تقبل شهادة من وقع تحت إكراه مادي أو معنوي.
ولا يجوز لوكيل النيابة الذي قام بأعمال التحقيق ولا القاضي الذي يفصل في الدعوى الإدلاء بالشهادة كما لا يجوز شهادة كاتب الجلسة ولا المترجم في نفس الدعوى.
ويلاحظ انه متى كان الشاهد مميزاً متمتعاً بحرية الاختيار ولم تتوافر فيه صفة تتعارض مع صفته كشاهد فلا يجوز رده لأي سبب من الأسباب ولا عبرة بما إذا كان الشاهد خصماً في الدعوى أم ليست له هذه الصفة، فيجوز سماع شهادة المدعي المدني والمجني عليه.
- سلطة المحكمة في سماع الشهود:
الأصل أن المحكمة تلتزم بسماع الشهود الذين يطلب المتهم أو دفاعه سماعهم، ويستدعى في ذلك أن يكونوا شهود إثبات أو شهود نفي، وهذا الالتزام قائم حتى ولو كان الشهود قد سمعوا في مرحلة التحقيق الابتدائي فإذا رفضت المحكمة سماع شاهد فإنها تعتبر مخلة بحق الدفاع.
ويجوز للمحكمة أن تأمر ضبط وإحضار الشاهد الذي لم يحضر مع إعلانه بذلك.
ولكن المحكمة لا تلتزم بتأجيل الدعوى لإعلان شاهد ما لم يكن في رفضها التأجيل إخلال بحقوق الدفاع وللمحكمة الاستغناء عن سماع الشاهد في الأحوال الاستثنائية الآتية:
1- إذا تغيب المتهم، لأنه يجوز سماعه بعد الحكم في المعارضة.
2- إذا اعترف المتهم، حيث يجوز للمحكمة أن تكتفي باعترافه.
3- إذا تعذر سماع الشاهد.
4- إذا تنازل المتهم عن سماع الشهادة.
5- في حالة كون الواقعة واضحة وضوحاً كافياً للمحكمة.
6- لا تلتزم المحكمة الاستئنافية بسماع الشهود، حيث يجوز لها ذلك ولا يجوز رفضه.
- استدعاء الشهود وسماعهم:
تكليف الشهود بالحضور بواسطة أحد المحضرين قبل الجلسة بـ 24 ساعة غير مواعيد المسافة إلا في حالات التلبس بالجريمة فيجوز تكليفهم بالحضور في أي وقت ولو شفهياً بواسطة أحد مأموري الضبط القضائي.
ويجوز أن يحضر الشاهد في الجلسة بغير إعلان بناء على طلب الخصوم.
وعلى الشاهد الحضور في الجلسة المحددة ويؤدي الشهادة فإذا تخلف عن الحضور بعد تكليفه به جاز الحكم عليه بعد سماع أقوال النيابة بدفع غرامة لا تجاوز 10 جنيه في المخالفات و30 جنيه في الجنح و50 جنيه في الجنايات.
ويجوز للمحكمة إذا رأت أن شهادته ضرورية أن تؤجل الدعوى لإعادة تكليفه بالحضور ولها أن تأمر بالقبض عليه وإحضاره.
وتسمع شهادة كل شاهد على انفراد، ويجوز مواجهة الشهود بعضهم ببعض
ويجب على الشهود الذين بلغت سنهم أربع عشرة سنة أن يحلفوا يميناً قبل أداء الشهادة على انهم يشهدون بالحق ولا يقولون إلا الحق، ويترتب على عدم حلف اليمين بطلان الشهادة.
- ويجوز سماع شهادة الحدث اقل من 14 سنة بدون تحليف اليمين على سبيل الاستدلال، ونفس الأمر بالنسبة للمحكوم عليهم بعقوبة جنائية طوال مدة العقوبة.
ويلاحظ انه تؤدي الشهادة شفوياً فلا يتعين الشاهد بمذكرات كتابية إلا إذا كان الموضوع معقداً يحتاج إلى ذكر أرقام أو تواريخ.
وتسمع شهادة شهود الإثبات أولاً، حيث يدلي الشاهد بأقواله دفعة واحدة ثم يستجوب بعد ذلك من المدعين ثم من المدعي عليهم، وبعد سماع شهود الإثبات يسمع شهود النفي ويسألون بمعرفة المدعي عليهم أولاً ثم بمعرفة المدعين.
ويجب أن تدون في المحضر شهادة الشهود.
- قيمة الشهادة في الإثبات:
وفقاً لمبدأ حرية القاضي في الاقتناع، فإن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في تقدير قيمة الشهادة، وللمحكمة أن تأخذ بأقوال الشاهد ولو كان قريباً للمجني عليه أو كان هو المجني عليه متى اطمأنت إلى أن القرابة أو المصلحة لم تحمله على تغيير الحقيقة.
وللمحكمة أن تأخذ بأقوال شاهد دون أقوال شاهد آخر، كما أن لها أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ ببعضها دون البعض الآخر.
5) الدليل الكتابي:
يقصد به المحرر، والمحرر هو الورقة التي تحمل بيانات في شأن واقعة ذات أهمية في إثبات ارتكاب الجريمة ونسبتها للمتهم.
ويلاحظ أن المحررات التي تصلح دليل إثبات قد تنطوي على جسم الجريمة، وقد تكون مجرد دليل عليها.
ومن أمثلة النوع الأول، الورقة التي تتضمن التهديد أو التزوير.
ومن أمثلة النوع الثاني، الورقة التي تحمل اعترافاً للمتهم أو محاضر المخالفات.
- دور الأوراق في الإثبات:
القاعدة العامة أن المحررات باعتبارها دليل إثبات تخضع لمبدأ الاقتناع الذاتي للقاضي الجنائي وتسري هذه القاعدة سواء تعلق الأمر بمحرر عرفي أو بمحرر رسمي.
ويستثنى من القاعدة السابقة بعض المحاضر التي جعل القانون لها قوة إثبات خاصة، حيث تعتبر حجة إلى أن يثبت ما ينفيها، وهذه المحاضر نوعان:
بعضها لا يجوز إثبات ما ينفيها إلا بالطعن فيها بالتزوير، ومنها محاضر الجلسات والأحكام
والنوع الثاني: المحاضر التي يجوز إثبات علتها بأي طريق، ومنها المحاضر المحررة في مواد المخالفات حجة بالنسبة للوقائع التي يثبتها المأمورون المختصون إلى أن يثبت ما ينفيها.
6) القرائن والدلائل:
- القرائن هي وسيلة إثبات غير مباشرة وتعني استنتاج الواقعة المطلوب إثباتها من واقعة أخرى قام الدليل عليها او هي نتيجة يستخلصها القاضي من واقعة معينة.
والقوانين نوعان:
- قرائن قانونية: وهي التي ينص عليها القانون
- وقرائن قضائية: فهي التي يترك للقاضي استخلاصها ويطلق عليها أيضاً تعبير الدلائل ومن أمثلتها؛ وجود بقعة دموية من نفس فصيلة دم القتيل على ملابس المتهم.
- والقرائن القانونية قد تكون قاطعة، أي لا تقبل إثبات العكس ومثالها:
ما هو مقرر من أن غياب المدعي المدني دون عذر مقبول بعد إعلانه يعد قرينة قاطعة على ترك الدعوى المدنية.
وقد تكون القرينة القانونية بسيطة أي تقبل إثبات العكس، ومثالها ما هو مقرر قانوناً من اعتبار حمل الجاني أسلحة أو أدوات أو أية أثر معينة قرينة على انه ساهم في الجريمة.
- قيمة الدلائل في الإثبات:
ليس هناك من شك في أن القاضي يمكنه الاستناد إلى الدلائل لتعزيز دليل أو لترجيح دليل على آخر.
ولكن الخلاف ثار بشأن مدى إمكانية المحكمة الاعتماد على القرائن كلياً في الإدانة دون أن يكون هناك دليل في الدعوى.
- محكمة النقض تقرر جواز الاعتماد على القرائن أو الدلائل في الإدانة دون حاجة إلى دليل آخر طالما كانت استخلاص النتيجة التي وصل إليها الحكم مستساغاً في العقل والمنطق.
ولكن يُرى أن الدلائل لا تصلح دليلاً على الإدانة، وان دورها في الإثبات يقتصر على إمكان الاستناد إليها لتعزيز بعض الأدلة.
وأساس ذلك أن الدلائل لا تقطع على سبيل الجذم واليقين في ثبوت الواقعة المطلوب إثباتها، وإنما يجعل ذلك الثبوت على سبيل الاحتمال أو الإمكان.
End of Topic
(إيجاد)
(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)
أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة