إعلان الرئيسية

نهر النيل العظيم


النيل وواديه العظيم



ان سطح مصر يبدو لعين الرائي مؤلف من معلمين رئيسيين هما: الصحراء ووادي النيل، والنيل هو واهب الحياة لمصر، فمصر من الناحية الطبيعية هي هبة النيل، والحقيقة الأولى في الوجود المصري هي أن مصر هي النيل، فبدونه لا كيان لها، ليس فقط من حيث مائه، وانما كذلك من حيث تربته.

أليست تربة مصر الزراعية تكونت عبر الزمان من ترسيبات النهر وطميه؟



ونهر النيل نهر غير عادي بأي مقياس، جيولوجياً وجغرافياً، وتاريخياً، وحضارياُ، فهو نهر منفرد بين أنهار الدنيا

كما أن مصر هي الأخرى بلد منفرد في حوض النيل، فهذا النهر العظيم عبده المصريون القدماء، وأفردت الديانة المصرية القديمة مكاناً بارزاً بين الآلهة القديمة وكان اسمه حابي إله النيل.

والنيل هو سيد الأنهار كما يصفه " عمرو بن العاص "، وهو أشرف أنهار الأرض إذ يسقي عدة أقاليم من ديار مصر، وماؤه أفضل المياه.


والنيل من سادات الأنهار وأشراف البحار لأنه يخرج من الجنة، على حسب ما ورد بالخبر الشريف نقلاً عن السعودي في كتاب " مزدوج الذهب " المجلد الأول، أنه أفضل أنهار الأرض عذوبة مذاق واتساع قطر وعظم منفعة، وليس في الأرض نهراً يسمى بحراً غيره، كما يذكر الرحالة " ابن بطوطة "، فالفلاح المصري يسميه البحر أو بحر النيل.

وقد وصف " ابن خلدون " مصر النيل بأنها " بستان الدنيا، وإن لم يكن النيل نهراً من الجنة، فإن مصر الجنة على الأرض ".

أما الجغرافي " ابن حوقل " فقد تحدث عن ماء النيل فذكر أنه " أشد عذوبة وبياضاً من سائر أنهار الإسلام ".

وإذا كان الرومان القدماء، عندما كانت لهم امبراطورية كبيرة في العصر القديم، كانوا يصفون البحر المتوسط بأنه بحرنا فنحن نعتبر النيل بحق هو نهرنا نحن المصريين، وإلا فماذا يكون النيل بغير مصر.

إن مصر هي أهم مركز حضاري في وادي النيل، وهو مركز الثقل في الحوض كله، ماءً، واقتصاداً، وحضارة، وتاريخاً، لأن مصر تحوي وحدها نصف سكان حوض النيل كله، فهي بالتالي مركز الحضارة الرئيسي فيه.


مساحة نهر النيل:



إن طول نهر النيل داخل حدود مصر، أي من حدودها الجنوبية حتى مصبه في البحر المتوسط، يبلغ نحو 1536 كيلو متراً، وهو ما يعادل ربع طول النهر كله، من منبعه إلى مصبه.

والنيل المصري وحده يفوق انهار أوروبا المعروفة طويلاً



ففي الدلتا يبلغ طول فرع رشيد 239 كيلو متراً، وفرع دمياط 245 كيلو متراً، وعرض نهر النيل في مصر يبلغ في المتوسط ثلاثة أرباع الكيلو متر تقريباً، وارتفاع الماء في النهر يبلغ من 10 – 7.5 متراً.

والنيل ينبع من هضبتين مختلفتين أولاهما؛ هضبة البحيرات، وثانيهما؛ هضبة الحبشة، ويقطع النيل رحلة طويلة ليصل إلى مصر، تبلغ بضعة آلاف من الكيلو مترات، يختلف الارسابات طوال رحلته لتتبقى منها حبيبات الطمي التي يحملها إلى مصر فتجيء دقيقة ناعمة وخصبة.

إن النيل السخي الكريم لا يصل إلى مصر إلا بعد أن يكون قد تكثفت مياهه وتم ترشيحها، ومن ثم كانت مصر عصارة النيل وخلاصة أفريقيا.

إن أمير الشعراء " أحمد شوقي " له قصيدة جميلة في نهر النيل يقول فيها:

من أي عهد في القرى تتدفق             وبأي كف في المدائن تغدق؟

ومن السماء نزلت أم فجرت من        عُليا الخبان جدا ولا تترقرق؟


ولقد جعل النيل مصر بيئة فيضية نهرية، بمعنى انها لا تعتمد على المطر الطبيعي في حياتها، بل تعتمد على ماء النهر العظيم، ومن هنا كانت زراعتها زراعة ري صناعي وليست زراعة مطرية، أي تعتمد على ري الأمطار.


وقد طبع ذلك مصر ومجتمعها بطابع المجتمع النهري الذي يحتاج إلى مجهود بشري وجماعي ضخم، لإعداد الأرض لاستقبال البذور، ويحتاج كذلك إلى شبكة كثيفة من الترع والقنوات بكل احجامها ومقاييسها، ويحتاج أيضاً إلى شبكة من القناطر والخزانات والسدود لضبط النهر، والتحكم في توزيع مياهه، ليروي الجميع أراضيهم، لذلك كان لابد من ضبط النهر، حتى لا يتحول إلى شلال محطم جارف.


إن النيل يجعل مصر بيئة ري مثالية، تعتمد في زراعتها على الري اعتماداً كبيراً، وقد اعد المصريون مقياساً للنيل لتسجيل فيضانه سنوياً، كما احتفل المصريون بفيضانه ووفائه (عيد وفاء النيل) منذ فجر التاريخ، وقراءة مقياس النيل تقابل قراءة الأرصاد الجوية في البلاد المطيرة.


ومع ضبط النهر كان التنظيم الاجتماعي ضرورياً وشرطاً اساسياً للحياة في واديه ومن هنا كانت الحكومة تمثل جهازاً ضرورياً لتنظيم العلاقة بين البيئة والإنسان أو بين الماء والفلاح، ولذلك اهتمت مصر عبر تاريخها بهذا الأمر.


وأصبحت أدوات الإنتاج الزراعي في مصر بفضل النيل، الأرض والماء، الماء هو دم الحياة والأرض جسمها، وعلمت زراعة الري مصر الحضارة والتقدم والقانون والنظام، فهي التي فجرت التاريخ والحضارة في مصر دون سواها لأول مرة، وهي التي وحدت مصر مبكراً ومنحتها النظام والقوة، ذلك أن بيئة النهر الفيضية التي تحتم قيام حكم فعال وتنظيم سياسي له كفاءة عالية، فخلقت لمصر أول امبراطورية في التاريخ.


وقد دعانا النيل منذ فجر التاريخ إلى التشارك والتعاون، فساعد ذلك على بلورة شخصية مصر السياسية، وحقق الاندماج الوطني على نحو فريد.


تطور علاقة المصريين بالنيل:


في مرحلة ما قبل التاريخ، عندما لم تكن الزراعة بمعناها الصحيح قد اكتشفت، كان النيل هو كل شيء، كان هو المسيطر على الانسان والانسان مقلد للطبيعة خاضع لها وللنهر.


وعندما اكتشف الانسان الزراعة في مراحلها الأولية القديمة، وهي مرحلة زراعة الري الحوضي، أصبح الفلاح المصري بري الحياض، مهندساً، يعيد تشكيل الطبيعة ويؤثر فيها بدرجة محدودة.


ثم أنشأ المصريون شبكة من السدود والترع ليكسب الوادي طبيعة جديدة، وإن كان الانسان هنا يستغل الأرض ويزرعها بشكل جزئي، أي خلال مواسم معينة (الزراعة الموسمية والري النيلي) يتبع فيها دورة الفيضان، ثم يترك الأرض بوراً نصف العام.


وفي أوائل القرن التاسع عشر بدأ الانسان المصري مرحلة الفن الزراعي الحديث، فبدأ عصر السدود والخزانات، وتطور فن الهندسة النهرية، وأضيف إلى الري النيلي، الري الصيفي كذلك، فتحقق بذلك ما يمسى بالري الدائم، أي ري الأرض طوال العام، وتضاعفت كثافة الإنتاج بالتوسع الرأسي ثم حدث التغير النوعي في المحاصيل، فبعد أن كانت زراعة مصر شتوية، قوامها الحبوب، وهدفها الاستهلاك المحلي والكفاية الذاتية، أصبحت مصر حقلاً منتجاً على مدار السنة وانفتحت على السوق العالمي وتضاعف دخلها القومي.


ومع السد العالي بدأت ثورة جديدة، حين جاء السد كجراحة عظيمة، فعلت بالنيل ما فعلته قناة السويس بالعالم القديم، فغير السد العالي مجرى النهر، وخلق بحيرة صناعية كبرى، وبدلاً من صهريج الماء الذي كان يمثله خزان أسوان، أصبح لدى مصر بنك ماء وأصبح تخزين الماء ليس سنوياً، وإنما لمئات السنين من خلال التراكم على مدار السنين.


ولم تعد مياه النيل تتبدد في البحر المتوسط، وصار السد يستوعب نحو 130 مليا متر مكعب من المياه في مقابل 5 مليارات لخزان أسوان وبالسد العالي انتهي خطر الفيضان الجامح إلى الأبد، وأصبح نهر النيل خاضعاً للإنسان المصري تماماً، بعد أن كان المصري خاضعاً له، فطور الإنسان من حضارته، والأمل معقود على استخدام أقصى إمكانيات السد، ومعالجته بعض السلبيات التي نتجت عن هذا المشروع الكبير الذي يحمي مصر من أخطار المجاعات والجفاف إلى الأبد.



End of Topic


(إيجاد)

(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة