الأدب المقارن
تعريف الأدب المقارن:
الأدب المقارن هو العلم الذي يعالج العلاقات الأدبية على مستوى العالم كله، ويبحث عن علاقات التشابه والقرابة والتأثير، ولا يقف عند الحدود الإقليمية في الأدب بل يطالع الموضوعات والافكار والكتب والمشاعر التي يتبادلها أدب مع غيره من الآداب الأخرى.
والأدب المقارن يتناول معرفة الآخر بين اشكال منهجه والمذاق القومي، إذن الأدب المقارن لا حدود له من العلم ولا أحد يستطيع ان يقف عند حدود تعليم معينة له.
والمدرسة الأمريكية أقيمت على أساس الحدود اللغوية والقومية ومراعاة الصلات التاريخية وترتكز على مبدأ التأثير والتأثر كما وضعته المدرسة الفرنسية.
نشأة الأدب المقارن
تعود نشاه الادب المقارن الى فرنسا عام 1827 حيث بدأ يظهر المصطلح بالتزامن مع ظهور دراسات مقارنة بين الأدب المنتشر بالعالم
ويعتبر " آبيل فيلمان " الفرنسي الاصل اول شخص يستخدم الادب المقارن فهو الذي اخترع المصالح اثناء القاءه محاضرات ادبية تتحدث عن اختلاف الأدب الفرنسي عن الإنجليزي، والإيطالي.
جذور الأدب المقارن لدي اليونان والرومان قديمًا من خلال نظرية المحاكاة:
نشأت المحاكاة نتيجة للاتصال وعلاقات التأثير والتأثر بين الآداب القديمة، وتتلخص المحاكاة بإنها تقليد ادب ما لأدب آخر والسير على منواله لتحقيق عمليه النهوض والازدهار لذلك الأدب بفضل تلك المحاكاة.
ترجع الجذور الأولى لنظرية المحاكاة الى تأثر الأدب الروماني بالأدب اليوناني اذ يعد الأدب الروماني أقدم هذه الآداب التي تأثرت بروافد ثقافيه أجنبية في عام 146 قبل الميلاد، فقد اجتاحت الجيوش الرومانية بلاد اليونان في هزيمة ساحقة كانت لها أثرها الخطير على العالم القديم ولكن هذا الانتصار العسكري لم يلبس ان يتحول إلى هزيمة ثقافية ولم يلبس اليونان أن يحقق على الرومان انتصاراً ثقافيا كان من نتائجه ان أصبحت روما المنتصرة تابعة لليونان المنهزم ثقافياً وأدبياً.
وكان لهذا الغزو الثقافي اليوناني أثره الخطير على طبيعة الأدب الروماني فقد وصل الى محاكاة صادقة لنصوص الأدب اليوناني اذا لم تعد له اصالة مميزة إلا في التاريخ والخطابة ولقد أثمر هذا التأثير النقاد تمهيد لنظرية المحاكاة في عصر النهضة الأوروبية وهي نظرية تنمو الى محاكاة اللاتينيين الادب اليونان والسير على اثارهم للنهوض بالأدب اللاتيني.
المحاكاة كما نراها عند هذا الجماعة ليست محاكاة الأدب القومي في نماذجه الجيدة فإن هذا لا يؤدي الى شيء لا قيمة ولا يسري إلى الآداب القومية نفسها في شيء بل المحاكاة ينبغي ان تكون نماذج جيدة في الآداب الأجنبية وفي الادبين اليوناني والروماني بصفة خاصة.
تطور نظرية المحاكاة عبر العصور وصولاً إلى العصر الحديث:
حين ننظر إلى القرون الوسطى نجد ان أدب الغرب المسيحي لأسباب عديدة نأخذ بعضها يتصل ببعض اتصالًا وثيقاً، وحدثت بينهما تأثيرات متبادلة وقد كان لهذا التأثير المتبادل اثاره على الأدب الأوروبي.
أما في عصر النهضة في القرنين الخامس والسادس عشر نجد ان التلويح الى الأدب الأوروبي القديم يعود بغاية تطوير نفسها، وقد خطت في سبيل تحقيق هذه الغاية خطوتين مهمتين:
الأولى: يعود الى النصوص الأصلية من الأدبين وترجمتها والتعليق عليها غير ان التقاء الأوروبيين في عصر النهضة الى الآداب اليونانية القديمة انما يعود الفضل فيه إلى الترجمات العربية لفلسفه ارسطو وافلاطون وغيرهما من فلاسفة اليونان في النصوص الجيدة مما كان له صدق في تعريف الاوروبيين بآداب اليونان وقد كانت الدعوة الى محاكاه الآداب اليونانية دعوه خطيرة في حد ذاتها إذا لقيت مقاومة عنيفة عند كثير من رجال الكنيسة اول الأمر ويعود ذلك الى الصبغ الوثنية التي تغلب على هذا الأدب.
ابدت سوأ نظرية المحاكاة اتجاه العصر الكلاسيكي السابع والثامن عشر إلى التقنين في الأدب المستخدم من الآداب القديمة، فكانت مهمه الناقد أن يضع قواعد مختلفة الأجناس الأدبية والحكم على النتائج الأدبية الكلاسيكية من خلال تمثيله لقواعد الادب القديم في شتى اشكالها الأدبية من مسرحية او قصيدة أو قصة.
المدرسة الفرنسية وريادتها في مجال الدراسات المقارنة:
لقد ارتبطت المدرسة الفرنسية بالمنظور التاريخي للأدب إذا يرد ارث الأدب والأعمال الأدبية في صورة أعمال منظمة في نسق تاريخي.
تشترط المدرسة الفرنسية لقيام المقارنة ثلاث مبادئ هي؛ التأثير والتأثر والاختلاف اللغوي، والصلة التاريخية المؤكدة، وعلى ذلك والمقارنة لا تتم دون علاقة تاريخيه بين أدبين أو أكثر مختلفين على الصعيد اللغوي فلا تجوز مثلا بين أدبين في لغة واحده في الادب المصري والسوري أو الأدب البلجيكي والفرنسي كما انها لا تتم دون صلة تاريخيه ثابتة بالفعل بين هذه الآداب وليس فقط مجرد صلة ظنية.
وفضلاً عن مصطلح الأدب المقارن الذي تؤثر المدرسة الفرنسية وتقيمه على مبدأ التأثير والتأثر، فهناك مصطلحات مقار نية أوروبية اخرى وهي الادب العام والأدب الشفوي المقارن والأدب العالمي والحواري أو التفاعل النصي.
المقارنة تقف على هذه الحدود الغربية والقومية تراقب العلاقات الأدبية المتبادلة في الموضوعات والافكار والكتب والمشاعر.
كما يلاحظ عناصر الزمان والمكان وثقافة الكاتب وسيرته واللغات التي يتقنها ونحو ذلك من مظاهر العلاقة التاريخية الثابتة بين قومين وفي فتره معينة.
وعلى الرغم من هذه المنهجية التاريخية التي تصنعها المدرسة الفرنسية في رصد العناصر الخارجية في أدب قومي الا انها لم تسلم من المعارضة
كما انها استبعدت النقد الادبي وزادت الدراسات التي تبرز فقط اوجه التشابه بين الأدبين موضوع المقارنة ويطبقون مقولات التاريخ وفلسفته ومناهجه في دراستهم الأدبية وتبدأ هذه المقولات بمقولة النسبية الزمنية والمكانية أي أن لكل زمان ومكان تقليداً وذوق ومعايير.
المدرسة الأمريكية وخروجها عن مبدأ التأثير والتأثر الذي ارسلته المدرسة الفرنسية في النصف الأول من القرن العشرين، وخرجت المدرسة الأمريكية عن مبدأ التأثير والتأثر الذي أرسلته المدرسة الفرنسية وكان أول ما فعله " ريني ويليك " استخدام مبدأ الاختلاف اللغوي ليخرج بالمقارنة بين النزعة القومية بمفهومها اللغوي أو العرقي إلى مجال إنساني عالمي.
ولعل من أبرز من يدعمه " ريني ويليك " الذي يرى ضرورة أن يدرس الأدب المقارن كل من منظور عالمي ومن خلال الوعي بوحدة التجارب الأدبية والعمليات الخلاقة أي انه يرى ان الأدب المقارن هو الدراسة الأدبية المستقلة عن تكافؤ ثقافي يخلق الأدب المقارن حالة من التوازن والتكافؤ بين الآداب والثقافات المختلفة.
وقد لخص " ويليك " هجومه على المدرسة الفرنسية في عده نقاط وهي:
1- انها لا تفرق بين الأعمال التي لها قيمة فنية.
2- انها إذا تركز على الجانب التاريخي في هذا الحالة تجعل الفصل بين الأدب المقارن والأدب العام وتاريخ الأدب أمراً صعباً.
3- انها تقتصر على المشكلات الخارجية من مصادر وتأثيرات ومن هذه الدراسات لا تعطي لنا الفرصة ان نحلل أو نحكم على عمل فني.
4- انها تتعامل مع النصوص بوصفها وثائق تاريخيه إذ انها تتيح للمؤرخين ان يقوموا بها.
5- انها تصدر عن تعصب عنصري اقليمي هو القومي الروماني.
من الواضح ان التعريف يوسع حدود المقارنة لتشمل الأدب ومناطق اخرى من المعرفة والافتقاد هو ما روجت له المدرسة الأمريكية وحاولت تصديره خارج حدودها تماما كما روجت لمصطلح الحوارية أو التفاعل النصي.
الحوار يشكل الأدب المقارن وسيره الحواري بين الثقافات المختلفة ويقود إلى تفاهم الشعوب وتقاربها في التراث الفكري.
مفهوم الادب العام ومدى التداخل بينه وبين الأدب المقارن:
الأدب العام مصطلح حديث ظهر سنه 1817 ميلاديا ويعني مجموعه النظم أو القوانين المستمدة من داخل الأدب واستعماله في جنس أدبي او أكثر، وفي عدد من التقاليد الأدبية القومية أو في واحد منها.
الأدب المقارن كما حدده الفرنسيون يقف عند منطقة الحدود المشتركة بين أدبين قوميين يراقب ما بينهما من علاقات متبادلة أم الأدب العام يتجاوز كافة الحدود الجغرافية حيث يتابع حركة الآداب المختلفة في علاقاتها المتبادلة ويرصد تطوراتها.
غير ان هذا الفوارق ليست حاسمة دائماً، فكثيراً ما يتداخل بها الأدب العام والادب المقارن بخاصة إذا لاحظنا ان مقاومات كل منهج وكذلك الفوارق بينهما ليس دائماً محل إجماع.
يقوم الأدب العام على مبدأ التشابه أو التعارض دون التأثير والتأثر ليس محل اتفاقهما مثلاً يقترب مفهوم الأدب العام من الأدب المقارن، وهذا يؤكد على أهمية البحث عن موطن التأثير والتأثر ثم يحصل الفرق بين المنهجين العام والمقارن في ان الاول يتناول أدبي او قضية بما يعتمد عليه من جوانب التأثير والتأثر بينما يتجلى الأدب المقارن أساسًا إلى دراسة التأثير والتأثر.
كذلك الأدب العام قد يعترض بعضهم بأنه يشتهر بأكثر من لغتين، على عكس الأدب المقارن فهو يكتفي بلغة أو لغتين ومن ذلك يصبح مهمته أيسر من الأدب العام.
غير ان هؤلاء أيضاً يتناسون انه من الصعب على مؤرخ أدب بعينه ان تتوغل بحوثه في أدب أجنبي للكشف عن نواحي الالتقاء بين الأدبين كشفاً كاملاً ضرورة ان الآداب الأجنبية يعرفون فقط تواريخ أدبهم.
وهذا يقتضي ان يكون هناك علم مستقل يدرس العلاقات الأدبية العالمية على ضوء ما لديه من أمكانيات لغوية تتيح لهم عمل هذه العلاقات.
أهمية الأدب المقارن:
تأتي أهمية البحوث المقارنة في الكشف عن الأسس الفنية الرائدة في النقد الأدبي الحديث في الأدب في مختلف صوره، لا ينطوي على ذاته وانما يتصل بالآداب العالمية الأخرى وتأتي الدراسة الأدبية المقارنة بتناول هذا الجزء من تاريخ العمل الأدبي أو القديم أو الأدب القومي عامة مع غيره من الآداب الأدبية الأخرى.
الدراسات العربية المقارنة الجديدة أبرزت ثلاث مقولات تبرز أهمية الأدب المقارن:
مقولة أخلاقية:
وترى فيها جميع الآداب والثقافات المختلفة متساوية في القيمة والعطاء ترفض مبدأ تمييز أدب على أدب أو سيطرة ثقافة على ثقافة.
مقولة سياسية:
تنادي بالانفتاح على الآداب والثقافات المختلفة.
مقولة نقدية وتنظيرية:
تقول بوحـدة الـظاهرة الأدبية على اختلاف فضاءاتها الزمانية، والمـكانية، واختلاف تشكيلاتها اللغوية، واختلاف حدودها القومية
في إطار هذه المقولات الثلاثة اصبحت المقارنة في الدراسات الأدبية المقارنة أداة في يد دارس الأدب.
الدراسات العربية المقارنة:
تمتد جذور الأدب المقارن في الدراسات العربية إلى العصر العباسي حين كانت تساعد الصلة الثقافية بين العرب غيرهم من الأمم ونشاط حركة الترجمة من اللغات الثلاثة؛ الفارسية، واليونانية، والهندية، وظلت مؤلفات " ابن المقفع والجاحظ وابن الطيب والبيروني " من أهم المؤلفات الأدبية في التراث العربي الإسلامي.
يلعب الأدب دوراً مهمًا في حياة الأمم وبخاصه إذا كان الأدب انساني يعبر عن حاجات الانسان أينما كان، في أي زمان، وبعد ذلك يخلط هذا الأدب ويخرج صاحبه به، وتلعب الدراسات المقارنة في الأدب دوراً في إحياء هذه الآداب الخالدة ونشرها بين الأمم لتطلع الإنسانية عليها وتكمل في مسيرتها الحضارية.
End of Topic
(إيجاد)
(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)
أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة