التربية في مصر القديمة
يعتبر المصريون القدماء من شعوب الشرق القلائل والأوائل الذين بنوا لأنفسهم حضارة كبرى، بل إن أغلب المؤرخين يرون أنها أقدم حضارة في العالم، كما يرون أن الحضارة المصرية القديمة تعد أساس الحضارة الغربية، فالإغريق وهم أعرق شعوب أوروبا على الإطلاق يعتبرون المصريين معلميهم في العلوم والدين، وأنهم تعلموا الكثير في أمور العقيدة، ويعترفون بأن عظمائهم من أمثال فيثاغورس وأفلاطون مدينون بنظرياتهم لمصر القديمة وتبعية فلاسفتهم للأفكار المصرية القديمة.
واختلف المؤرخون حول قدم الحضارة المصرية، قال برسند أن وادي النيل سكنته أقوام ترجع إلى حوالي ۱۸۰۰۰ سنة قبل الميلاد، وقال ما سبيرو أن فجر الثقافة المصرية يرجع إلى ما بين ۱۰.۰۰۰ و ٨۰۰۰۰ سنة قبل الميلاد، وقال ول يورانت أن الشعب الذي أوجد مصر التاريخية قد سكن وادى النيل في الفترة من عام ٤٠٠٠٠ و ٣٠٠٠٠ قبل الميلاد. وأيا كانت آراء المهتمين بالحضارات فإن التاريخ المدون عن مصر يبدأ حوالى عام (٤٢٣١ ق م ) وحوالي هذا الوقت تقريبا عرف المصريون القدماء الزراعة، وبدأت بالتالي حياة الاستقرار على ضفاف النيل.
ولعب النيل منذ القدم دوراً عظيماً في حياة مصر، فهي بدون شك هبة النيل كما قال هيرودوت مؤرخ اليونان الشهير، كما هيأت لمصر طريقها الحضاري عوامل طبيعية وبشرية منها موقعها المميز وانبساط سطحها، واعتدال مناخها، والحدود المنيعة التي سهلت الدفاع عنها ومقاومة المعتدين، وكذلك وفرة الصخور والمعادن والأحجار التي استطاع المصريون القدماء استخدامها واستغلالها في تشييد حضاراتهم وأخرج تلك الروائع من الفنون والصناعات والتماثيل والمعابد والأهرامات التي تمتلئ بها مصر وتفخر بها وتتزين بها المتاحف المصرية والعالمية.
وسمى المصريون القدماء أرضهم باسم " كيمي " بمعنى السمراء إشارة إلى سمرة تربتها وخصوبتها وكثيراً ما عبروا عنها باسم " تاوى أي الأرضين - الدلنا والصعيد " وارتبط الاسم الشائع " مصر " في اللغة المصرية واللغات السامية القديمة بمرادفات تدل على معنى الحد أو المكان الحصين فضلاً عن البلد المتمدين، ولكي تربط الزمان بالمكان وبالحدث وهي تمثل أبعاد الدراسة التاريخية ونعرض فيما يلي خريطة مصر القديمة.
خريطة مصر القديمة
يتضح من الخريطة السابقة امتداد مصر الفرعونية في أقصي امتداد لها والذي عرف بعصر الإمبراطورية المصرية أبان فترة الدولة الحديثة، كما يظهر تعدد المراكز العمرانية في مصر الفرعونية، والتي شكلت مراكز أساسية للحضارة المصرية القديمة، والتي قامت بفضل التطور العلمي والتربوي لمصر القديمة، كما يظهر من الشكل ارتباط الحضارة المصرية بنهرالنيل والذي شكل عاملا أساسيًا من عوامل قيام الحضارة المصرية، كما شكلت الصحراوين الشرقية والغربية شرنقة حماية لمصر الفرعونية من هجمات الغزاة.
العوامل المؤثرة على التربية في مصر القديمة:
من المعروف أن النظم السائدة في أى مجتمع من المجتمعات سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية تنعكس أثرها على النظام التربوي لهذا المجتمع، ولا يعنى التعرض بتوضيح هذه النظم أن لكل منها أثر في النظام التربوي لمصر القديمة بعيداً عن الآخر بل إن جميعها أثرت وأفرزت النظام التربوي بها.
- العامل السياسي:
لما كان مصدر الحياة في مصر واحدا هو النيل وما يجلبه من رزق وخير فقد تحتم توثيق الروابط بين الأقاليم المنتشرة في وادي النيل وعلى ضفافه واستلزم ذلك قيام حكومة مركزية سيطرت على انحاء البلاد، وقامت أول حكومة حوالى ٤٢٤٢ ق م - واتخذت هليوبوليس التي كانت تسمى أون مكان عين شمس الحالية عاصمة لها
ولكن لم تدم هذه الحكومة طويلاً، فما لبثت البلاد أن انقسمت مرة ثانية، وتوزعت أقاليمها بين حكومتين، أحداهما في الوجه القبلي، والثانية في الوجه البحري، وفي حوالي ۳۲۰۰ قبل الميلاد استطاع الملك مينا تحقيق الوحدة السياسية بقيام حكومة مركزية قوية عملت على ارساء دعائم الحضارة المصرية القديمة.
وكان الفرعون منذ عصر بداية الأسرات هو رأس الدولة قولا وعملا، تتركز في يديه السلطات العليا كلها ، ولفظ " فرعون " لم يكن في بدايته أكثر من لقب اصطلاحي إداري كتب في صورته المصرية " برعو بمعنى البيت العالي أو القصر العظيم - أى قصر الحكم المركزي في الدولة - ثم امتد مدلوله فأصبح يطلق على القصر وساكنه، ومع الزمن اعتاد المصريون على أن يطلقوا لفظ " برعو " على كل من تولى ملك مصر، وكان فرعون يلقب بعدة ألقاب وأسماء بهدف تأكيد سلطانه الديني والدنيوي في حكم بلده، واعتمد الإشراف الإداري على بضع طوائف من كبار الموظفين على رأسهم كبير الوزراء حملة الأختام، رجال بيت المال، حكام الأقاليم، كبار رجال البلاط رؤساء الكتاب إضافة إلى حكام الأقاليم والمدن حتي شيخ البلد في القرى.
- العامل الديني:
نشأت العقائد الدينية متفرقة في بقاع وادي النيل، وذلك بحكم تقسيم مصر إلى أقاليم استكملت كيانها ونشأتها في فجر التاريخ، وكان لكل إقليم معبود خاص، ومن الملاحظ أن تلك المعبودات المحلية كانت من وحى الطبيعة والبيئة، فعبدوا ألوانا من الحيوانات سواء كانت طيوراً أم حشرات أم وحوشا، حيث خافوا بعضها وحاولوا إرضاءها بالطعام والشراب، يقدمونه قربانا وألفوا البعض الآخر وقدروا ما فيه من مظاهر وخصائص تلفت النظر وتثير الاعجاب، كذلك قدسوا عناصر هذا الكون كالماء والسماء والهواء والقمر والشمس.
وقد اتسمت الديانة المصرية القديمة بخصائص منها اعتقاد المصريون أن الموت فترة انتقال، وأن الانسان يبعث بعد موته ليستأنف حياة خالدة ومنذ فجر الانسانية والناس يدفنون موتاهم ويجعلون معهم من ألوان الطعام والشراب وفنون المتاع، ما يعينهم على استئناف الحياه بعد فترة الموت، وقد يرجع ذلك إلى مظاهر الطبيعة التي لاحظها المصريون فالشمس لا تكاد تغرب عن يمين النيل إلا لتطلع من يساره، وما يكاد القمر يختفي حتى يبزغ مرة أخرى، وما إن ينخفض ماء نهر النيل حتى يعود لبفيض من جديد وإذا بالأرض التي اصفرت وأجدبت تدب فيها الحياة مرة أخرى من جديد، فلماذا لا يكون الإنسان كذلك أيضاً يموت ثم يبعث ليحيا مرة أخرى، ولأن اتصال الروح بالجسد كان يستلزم حفظ الجسم سليما لتهتدي إليه، فقد حنط المصريون أجساد موتاهم ووضعوها في قبور حصينة نائية.
كما اعتقد المصريون القدماء بعملية حساب الموتى على أفعالهم في الحياة، بمعنى إذا انفصلت الروح عن البدن سعت إلى قاعة العدل أمام الإله أوزيريس وفي حضور اثنان وأربعين حكما من الآلهة، فيحاسبونها على ما فعلت، ويطلبون منها أن تدافع عن نفسها فإن قبل دفاعها وظهرت للمحكمة أنها كانت طيبة أقامت مع الإله في النعيم الدائم، وإن قصرت وظهر ائمها وفجورها قضوا عليها بالعذاب وانتهي أمرها بالهلاك.
- العامل الاجتماعي:
تميز النظام الاجتماعي في مصر القديمة بالطبقية على النحو التالي:
الطبقة الأولى:
وهي طبقة الكهنة، وكانت أشرف الطبقات وأعلاها في العلم والغنى والسلطان والقوة في البلاد، وكانت تمتلك معظم الأرض الزراعية. ولم تكن أعمال أفرادها مقصورة على الخدمات الدينية، بل كانوا يشغلون جميع المناصب الرسمية التي تحتاج في إدارتها إلى المهارة والعلم، فكانوا الأطباء المهندسين المعلمين القضاء المؤرخين وجباة الضرائب، وكانوا نصحاء الملك وأعوانه وأصحاب الرأي عنده وذوي الحظوات عنده يقربهم من مجلسه ويجزل لهم العطاء.
الطبقة الثانية:
وكانت تحظى بالمنزلة الثانية في الشرف والرفعة، وكان لكل فرد من أفرادها قطعة من الأرض معفاة من الضرائب تبلغ ستة أفدنة ونصف، وتضم الجنود وصغار الموظفين والكتبة، وقد اهتم أفراد هذه الطبقة بتعليم ابنائهم لتأهيلهم لمهنة الكتبة والوظائف الأخرى، حيث أن مهنة الكاتب كانت تعتبر من المهن الراقية التي تفوق المهن الأخرى في ذلك الوقت.
الطبقة الثالثة:
وكانت تنقسم إلى ثلاثة أقسام (طبقة الزراع ورجال الملاحة، وطبقة الصناع والتجار، وطبقة العمال) ويلى هذه الطبقات الثلاث الموالي، وهم عادة من أسرى الحرب وأقل في المرتبة من العمال، وقد كان " عدم الرضا " أخذا مأخذه بين فئات هذه الطبقة، فكثيراً ما ثار بعضها على بعض، ولم يستطع الكثير من أبناء تلك الطبقة الالتحاق بمعاهد التعليم نظرا لانتشارهم الكبير في أرجاء الوادي، وبعدهم عن المدن الكبرى في الأقاليم والتي كانت توجد بها معاهد العلم والمعرفة.
عناصر التربية في المجتمع المصري القديم:
1- أهداف التربية المصرية القديمة:
- تخريج المتعلمين لتولى المهن المرموقة في مجالات الفنون الهندسة والبناء، النقش التصوير، الطب، الكتابة، والجندية وغيرها من المهن التي كانت تضمن للإنسان في ذلك العهد عيشة راضية في الدنيا وتكسبه رضا الآلهة ومحبتهم في الآخرة.
- تنمية القيم والمثل العليا عند الأفراد، وأهمها احترام النظام الاجتماعي القائم والتمسك بالفضيلة، فقد أمن المصريون بالسلوك الفردي والاجتماعي، وعاشوا في إطار خلقي محكم، وتحلوا بفضائل الأخلاق، وحثوا على التمسك بها في صدق وأمانة وكانوا يوصون بالوالدين، والعطف على الفقراء والمحتاجين، وضبط النفس بل قد ربطوا بين الدين والأخلاق حين اعتقدوا أن الحياة الآخرة ونعيمها تتوقف على ما يفعله الإنسان في دنياه من حسنات وما يتمسك به من فضائل، ومن هنا يتضح مدى الدور الذي يمكن أن تؤديه التربية في تنمية وإكساب الصغار تلك القيم والفضائل تدعيما واستمرارا لها على مر الأجيال، ومحافظة على المجتمع بزيادة تماسكه واستقراره.
- المحافظة على التراث الديني وسلوكياته ونقله إلى الأجيال والإضافة إليه؛ حيث تغلغل الدين في كل نواحي الحياة المصرية حتى أصبح الحافز الأكبر والموجه لكل سلوكيات الحياة المصرية القديمة.
وهكذا كان للتربية عند المصريين القدماء منزلة عظيمة، وكانوا يحثون عليها ويرغبون فيها، ومما يؤثر عنهم في ذلك قولهم " ما أشبه الجاهل بالحمار المثقل، يحتاج دائماً إلى من يقوده أو يدفعه " ، " أقبل على عملك وتعلم الكتابة تكن أهلاً للقيادة والزعامة بين الرجال "، " أفرغ قلبك للعلم وأحبه كما تحب أمك، فلا شيء في العالم يعدل العلم في قيمته ".
2- مراحل التربية في مصر القديمة:
يمكن تبين ثلاث مراحل في التعليم المصري القديم كالآتي:
1. المرحلة الأولى:
ومدتها ست سنوات (٤-١٠) وكان التعليم فيها مقتصراً على ابناء الطبقة الحاكمة من ملوك وامراء ووزراء، وعلى ابناء كبار الكتاب والكهنة، أما بقية أبناء الشعب فكانوا يتلقون تعليماً مهنياً عن طريق التلمذة المهنية على يد آبائهم أو من يقومون مقامهم، وكانوا يتعلمون مبادئ القراءة والكتابة، وكان التعليم في هذه المرحلة السنية (٤-١٠) يتم عن طريق ثلاث انواع من التعليم هي:
النوع الأول:
كان يتم بواسطة الأب حيث يلقن ابنه الأمور الدينية والسلوك الخلقي، ويعلمه قواعد الحرفة وأسرارها ويدربه عليها.
النوع الثاني:
وكان يتم بواسطة أحد المربين المتفرغين، وكانت هذه الطريقة تقع في الطبقة الأرستقراطية فيرسل الطفل إلى أحد المربين، فيربيه على أمور الحياة اللازمة للطبقة الأرستقراطية، ومنها بالطبع القراءة والكتابة.
النوع الثالث:
وكان يتم عن طريق إرسال الطفل إلى المدرسة ليتعلم أساسيات المعرفة من قراءة وكتابة وحساب وكانت هذه المدارس ملحقة بمعابد المدن الكبيرة وأشهرها معبد بتاح في ملف، ومعبد رع في عين شمس، ومعبد آمون في طيبة.
2- المرحلة الثانية:
وتستمر لمدة خمس سنوات وتبدأ من سن العاشرة عند نهاية المرحلة السابقة حتى الخامسة عشر وتنقسم مدارسها إلى قسمين:
- مدارس الكتاب وتعتبر امتدادا لمدارس المرحلة الأولى، وفيها يتعلم التلاميذ أسلوب الكتابة الأدبية عن طريق قيامه بنسخ الكتب المقدسة، حيث كانت مهنة الكتابة من أهم المهن وأكثرها شيوعاً، وكانت بمثابة الخطوة الأولى التي يخطوها الشباب لتولى المناصب العليا في الحكومة.
- مدارس الادارات الحكومية وهي تناظر مدارس الكتاب، وكان يلتحق بها التلاميذ الذين انتهوا من المرحلة الأولى والتلاميذ الذين لم يستكملوا دراستهم في مدارس الكتاب.
3- المرحلة الثالثة:
وكانت بمثابة التعليم العالي والجامعة الذي يعد الأفراد للمهن المختلفة في المجتمع، وكان هذا النوع من التعليم يتم في المعابد التي كانت بمثابة الجامعات في ذلك الزمان، وكانت تسمى برعنخ أي دور الحياة، وكان من أشهرها:
جامعة أونو:
كان معبد الشمس في مدينة أونو: ومكانها عين شمس الحالية يعتبر أكبر جامعة مصرية، حيث كانت تضم أعداداً كبيرة من الكهنة ورجال الدين والأطباء والفلكيين ورجال العلم وأساتذة الفنون، وكان يدرس بها علوم كثيرة عملية منها الطبيعة، وعلم الفلك والرياضيات، وكان كهنة عين شمس من طلائع الطلاب في هذه الجامعة كما كان الفلاسفة والعلماء اليونان الذين ذاع صيتهم في المدن القديمة فيما بعد تلاميذ بهذه الجامعة ومنهم " سولون، وأفلاطون، وقد ظلت جامعة أونو مصدراً للعلم والمعرفة إلى أن انتقل مركز هذا الاشعاع العلمي إلى الاسكندرية التي صارت بمتحفها ودار الكتب الشهيرة التي أسسها البطالمة (مكتبة الإسكندرية) والتي حوت ما يزيد عن سبعمائة ألف كتاب أكبر مركز للعلوم والمعارف، يقصدها الفلاسفة والعلماء وخاصة الاغريق واليونان.
جامعة تل العمارنة:
وكان يدرس بها الجغرافيا، والفلك، والنحت والرسم، والمكاييل الهندسية والشكل التالي يوضح مراحل التربية المصرية القديمة.
مناهج التربية في مصر القديمة:
العلوم والمعارف:
كان للمصريين القدماء ثروة فكرية وثقافة هائلة، استمدت أصولها ومقوماتها من البيئة وعقائدهم الدينية. وقد بلغ المصريون القدماء في علومهم ومعارفهم مبلغاً عجزت عنه الأمم المعاصرة لهم، ووصلوا ببعض فنونهم إلى درجة من الكمال.
ومن علومهم الهندسة العملية " وقد ساعدهم على اتقان المهارة فيها حاجتهم إلى الاشتغال بأمور الرى وشغفهم الشديد ببناء الأهرام والمقابر، والقامة المسلات والأعمدة الضخمة في المعابد فهذا "مينا" قد استطاع أن يحول مجرى النيل من الجبل الغربي إلى مجراه الحالي وهذا امنحتب الثالث قد شيد في الفيوم ذلك الحزان العظيم الذي حفظ ماء الفيضان فأحيا بها أرضاً واسعة مترامية الأطراف، ولقد كانت معارفهم الهندسية كلها عملية محضة وصلوا إليها بتجاربهم.
وهم أول من اشتغلوا بعلم الفلك وقد اكتشف الباحثون في مقابرهم آلات للرصد ومصورات عجيبة لشكل السماء وهم أول من حسب طول السنة بالتقريب فجعلوا عدد أيامها خمسة وستين وثلاثمائة يوم، وقد كان ذلك قبل ميلاد المسيح بأكثر من أربعة آلاف عام. وفي علم الطب كانت قدمهم فيه راسخة، ولم يفضلهم فيه من الأمم القديمة الا اليونان بعد عصور طويلة غير أن معارفهم الطبية كانت مشوبة بكثير من الخرافات، فكان للشعوذة والرقى والتمائم وضرب السحر في طبهم شأن كبير.
الكتابة المصرية القديمة:
الكتابة المصرية هي أقدم كتابة في العالم، ويرى الكثير من المؤرخين أن الفنيقيين أخذوا كتابتهم عن المصريين بتغير يسير وعن الفنيقيين اخذت الأمم الأخرى والكتابة المصرية على ذلك هي اساس كل كتابة في العالم.
وقد أضاف اليونان الحروف الكتابة المصرية القديمة لفظ " هيروغليف " أي الحروف المقدسة، وتتركب الكتابة الهيروغليفية من علامات وصور مختلفة لأنواع الحيوان والنبات وغيرها من الأشياء المادية، ثم دخل هذه الكتابة شئ من التنقيح والتهذيب والاختصار فنشأت الكتابة الهيراطيقية " التي كانت تكتب دائما من اليمين إلى اليسار، على خلاف الخط الهيروغليفي فإنه كان يبتدئ به تارة من اليمين إلى اليسار وأخرى من اليسار إلى اليمين من غير فرق. ثم دخل الكتابة الهيراطيقية شيء من التغيير والاختصار فكانت الكتابة " الديموطيقية " (أي الكتابة العلمية). وقد بقيت هذه الكتابات الثلاث مستعملة بين الناس، غير أن الأولى كانت خاصة بالنقش على المباني وبالشئون الدينية، أما الوليدتان فقد كانت تستعملان في التجارة وفي بقية الأمور الدنيوية الأخرى.
وكان الهدف الرئيسي من التعليم بالمدارس هو تعليم الكتابة لأهميتها بالنسبة للمجتمع المصري القديم، فقد كانت الكتابة ضرورية لتصريف شئون الحكومة والقضاء والدين والتجارة وإدارة البلاد، كما كانت الكتابة ضرورة فرضتها الحاجة إلى تبادل الرسائل والوثائق الرسمية بين مصر والدول المجاورة وبين الحكومة والنبلاء ورجال الأعمال. كما أن الكهنة كانوا يستخدمون الكتابة في الأمور الدينية وتصريف شئون المعابد، فقد كان الكهنة أنفسهم كتابا مهرة لأنهم القائمون على الوثائق المقدسة وهم حفظة الدين والعلوم.
وهكذا احتلت الكتابة مكانة هامة في المجتمع المصري القديم، وكانت تعتبر مهنة عظيمة تجلب لصاحبها الحظ والثروة والسعادة ومن هنا كان الاهتمام بتعلمها.
كتب المصريون القدماء في الدين والأخلاق وشئون الحياة العملية وألفوا الكتب المدرسية والأغاني والأناشيد، وقد عثر الباحثون على كتب كثيرة في الطب والسحر والزهد، وعلى كثير من القصائد والرسائل التي كتبت في أغراض مختلفة.
أشهر كتب المصريون القدماء:
كتاب الأخلاق:
ويعتبر أقدم كتاب في العالم ألفه بتاح حتب " وهو حكيم مصري قديم عاش في عصر الدولة القديمة وهو وزير الفرعون لأحد ملوك الأسرة الخامسة حوالي سنة ٣٦٠٠ ق.م، وكان رجلا حصيفا عاش من العمر مائة وعشر سنين، وقد تضمن الكتاب الحكم والمواعظ والأمثال ليهتدي وينتفع بها الناس، ومن وصاياه في طاعة الوالدين وملك البلاد قوله " يسعد الولد المطيع الخاضع، ويحيا حياة طويلة حافلة بالخير والبركة، وإني لم أبلغ هذه السن العالية إلا بفضل طاعة الوالدين وطاعة الملك وقيامي بواجبي لهم خير قيام .. ومن وصاياه أيضا في الحث على محاسنة الزوجة وحسن عشرتها قوله " إن كنت عاقلاً فأحبب زوجتك وأكرمها، ووفر لها ما تشتهى من الغذاء والزينة وأملأ قلبها بأنواع الغبطة والسرور ما حييت ولا تكن معها قاسيا غليظ القلب
كتاب الموتى:
وهو كتابهم المقدس فيه صلواتهم وأدعيتهم ومواعظهم وأخبار الهتهم ومعتقداتهم الدينية وآراؤهم في الحياة والموت، وفيه ما ينبغي للروح أن تقوله يوم الحساب دفاعا عن نفسها في قاعة العدل أمام الآلهة أوزيريس " وقضاته الاثنين والأربعين. ولقد كان الكهنة يرتلون فصولا من هذا الكتاب في احتفالات الجنائز، وكان عادة المصريين القدماء أن يضعوا هذا الكتاب المقدس مع الميت في مقبرته، ويختاروا منه آيات فيكتبونها على قطعة من ورق البردى ثم يعلقوها في عنق الميت يوم دفنه كتميمة تحبيه إلى الآلهة وتستميلهم إلى اكرامه وغفران ذنوبه.
بعض طرق التربية في مصر الفرعونية وأساليبها:
- طريقة التقليد والتكرار:
كان الأطفال يقضون وقتا طويلا في تعلم الكتابة الهيروغليفية. وهي الكتابة التي يحق للمصريين أن يفتخروا بها ما شاءوا، وكانت طريقه تعلم هذه الكتابة أن يكتب المعلمون نماذج للأطفال، فيأخذ كل طفل قلمه ولوحه الخشبي ويجتهد في كتابة هذه النماذج، وبعد أن ينتهي من هذه المرحلة وينجح فيها انتقل به المعلم إلى الكتابة على ورق البردى فيملى عليه أبيانا من الشعر أو حكاية قصيرة أو فقرة من كتاب، وقد يكلفه بنسخ كتاب بأكمله بعينه له، وبهذه الطريقة كان الأطفال يأخذون بجودة الخط وحسن الأسلوب معا، وكان تعليم القراءة والكتابة يتم بتعليم نطق الحروف والهجاء، وقد عثر الباحثون على كثير من كراسات الخط التي كان التلاميذ يتعلمون فيها الكتابة، كتبت كل ورقة من أوراقها من وجهين في أحدهما آثار أعمال التلاميذ في تحسين خطوطهم، وفي الآخر مسائل حسابية ووسائل تجاربه، مما يدل على أنهم كانوا يأخذون بفنون عملية كثيرة أثناء تعلمهم الخط.
الحلقات الدراسية:
ومن طرقهم أيضا أن يجلس الأستاذ وفي يده ملف من البردي، ومن خلفه وإلى جانبه صناديق ملفات البردي التي كانت تعتبر بمثابة الكتب والمراجع ويجلس أمام الأستاذ الطلبة على الحصير وقد نشروا على ركبهم ورق البردي، ويحيط بالمكان تمثالان للإله " نحوت " إله الحكمة والحساب على شكل فرد. وقد مدح أفلاطون طريق المصريين القدماء في تعليم الحساب، فهناك من الأدلة ما يثبت أنهم كانوا يعتمدون في تعليم الأعداد على الألعاب والأشياء الحسية.
أسلوب الحبس:
من ذلك ما تحدث به أحد المربين مخاطبا واحدا من تلاميذه فيقول لما كنت في سنك قضيت في الحبس وقتا بلغ ثلاثة أشهر أقمتها جميعا بين جدران المعبد على حين كان أبواي وأخواتي في القرية، ولم أفلت من محبسي هذا إلا بعد أن مهرت يدي في الكتابة، وأصبحت بذلك متفوقاً على من كان يتقدمني من الزملاء ثم غدوت على رأسهم جميعاً
أسلوب الوعظ والتشجيع:
عرف المصريون كيف يعظون ويرشدون، إيمانا منهم بأن ذلك من وسائل الإصلاح والتقويم، وقد أسرفوا في ذلك إسرافا شديدا، حين اشتد إيمانهم بجدوي ترديده، فكانوا يسطرونه حوارا تارة، ووسائل متبادلة تارة أخري، وأمتوا كذلك بالنصائح الخلقية يوجهونها صريحة إلى تلاميذهم، وقد استخدمت في تعليم الكتبة مختارات أدبية تضمنت نصوصا لتشجيع التلميذ في دراسته ومن أمثلتها " أيها الكاتب لا تكسل، وإلا أصابك القدم. ولا تنغمس في الملذات، وإلا كنت من الفاشلين. اكتب بيدك، واقرأ بشفتيك ... فبوسع القردة أن تتعلم الرقص، ويمكن تدريب الخيول.
المعلمون في مصر القديمة:
احتكر الكهنة في المجتمع المصري القديم عمليات التربية حينذاك، فكانوا رجال العلم وحفظته، والمعلمين والمؤدبين، وكان الآباء اذا التمسوا معلما لأبنائهم لم يجدوه الا بين رجال هذه الطائفة، ومما يدعو إلى الإعجاب والفخر حقا أن ينظر المصريون القدماء إلى مهمة التعليم علي أنها واجب علي هذا الذي حصل قدرا لا بأس به من العلم والثقافة بحيث أصبح مستحقا اللوم لو أنه لم يفعل ذلك، فهذا نص يرد فيه الحاكم على مواطن جاء إليه شاكيا، ففي رد الحاكم صورة من صور اللوم على جوانب التقصير في عمل هذا الشاكي، ومنها أنه لم يعلم أحدا " إنك لم تنطق ساكناً، ولم توقظ نائماً، ولم تفتح فم من أغلق فمه، ولم تعلم جاهلاً، ولم تهذب من خرق ".
أما عن أساليب المعلمين فكانوا قساة القلوب غلاظ الأكباد، يرهقون تلاميذهم ويسومونهم سوء العذاب، وكانت العصا أحب أدوات التأديب إليهم، ومما يؤثر عنهم في ذلك قولهم " أن الطفل أذنه على ظهره، فهو لا يسمع الا حين يضرب ، ومن ذلك أيضا ذلك المعلم الذي يتحدث إلى أم جاءت تسأله عن حال ابنها فيقول " لما كنت صبياً في المدرسة، علمني معلمي الكتابة بعد أن ألهب أطرافي من الضرب، فتعلمت ولم أهجر رغم ذلك معلمي، وكثيرا ما كانوا يلجئون إلى التوبيخ والتأديب، وفي عظيم الجرم إلى الحبس، فكان من المألوف أن يقضى على المذنب من التلاميذ بأن يلازم المعبد ولا يغادره إلا بعد ثلاثة أشهر كاملة وهو ما أشرنا إليه من قبل في أساليب التربية. وهذا لا يعنى أنه لم تكن هناك النصيحة والتوجيه كوسيلة لإرشاد التلاميذ وتقويم سلوكهم.
ومما سبق يتضح أنه كان للكهنة مكانة خاصة في مصر الفرعونية، وأنهم احتكروا عملية التدريس، وسوف تستعرض فيما يلي حياة أحد أشهر الكهنة المصريين في عهد الدولة الحديثة
أشهر الكهنة المصريين في عهد الدولة الحديثة:
باکنخونسو:
شغل باكنخونسو منصب الكاهن الأول لأمون أبان عهد الملك رمسيس الثاني، وأشار في نصوصه أنه اتصف بالعدالة، والتزم الصمت، وسار على الطريق السليم، واتبع المنهج القديم الذي يريده الملك، وتدرج في السلم الكهنوتي منذ صغره.
- أخلاقه:
تمتع باكنخونسو بأخلاق طيبة، فقد رسم لنفسه منهجا في عمله وتعامله مع الآخرين فافتخر بأنه كريم الأصل طيب المنشأ من ناحية أبيه وأمه، ونال جانبا من ثقافته وتعليمه في المدرسة الملحقة بالمعبد، ولم يرتكب خطأ في هذه البقعة المقدسة لدي المصريين، وعندما تبوا منصب الكاهن الأول لم يهمل في وظيفته وازداد تواضعه خوفاً من الإله.
وأشار أنه قضي للفقير مثل قضائه للغني، وللقوي مثل الضعيف، وأعطي كل شخص ما بخصه، وقدم المساعدات للفقراء الذين لا يستطيعون الإنفاق على جنائزهم، ووضع التوابيت لمن لا يقدر على فعل ذلك، وحمي اليتيم الذي لجأ إليه وقدم له المساعدة، وأنفق على الأرملة، ولم يطرد الابن من وظيفة أبيه، ومد يده للفقراء وجمع المؤن لمن لا يستطيع الإنفاق على أهله وذويه، واستمع لمن يقول الصدق، وابتعد عن قول الزور.
ولا شك أننا أمام رجل اتسم بالعدل، وفعل الخير لكل الناس، وأيضاً رجل عالم في مجاله الديني، شق طريقه نحو المجد بالعلم منذ نعومة أظفاره، فالتحق بالمدرسة الملحقة بالمعبد بل وأصبح مشرفا عليها وهو في سن صغيرة، وتشير سيرته أنه يوقر ويبجل الله عز وجل.
تعليم المرأة في مصر القديمة:
كان للمرأة في المجتمع المصري منزلة رفيعة ومكانة عالية وكان لها من الإجلال والاحترام أكبر حظ وأوفر نصيب، وكان النساء يتمتعن بحريتهن كاملة، فيخرجن إلى الأسواق ويحضرن الاحتفالات، ويشتركن مع الرجال في شئون الحياة، وكن يشغلن المناصب العامة ويتولين الزعامة والملك، وإليك نيتوكريس حتشبسوت، فقد جلس على كرسي الملك وأدرن شئون البلاد.
أما التربية فقد كان لهن نصيب، كن يتعلمن القراءة والكتابة ومبادئ الحساب، ولكنهن لم بتعدين في ذلك حدود التعليم الأولى، ولم يتذوقن طعم التربية العالية في أي حال من الأحوال، وعلى الرغم من ذلك فقد كان التعليم الأولي خير معين لهن على تربية أولادهن.
السمات العامة للتربية في المجتمع المصري القديم:
- أن المجتمع المصري القديم اهتم بالتربية والدعوة إليها والحرص عليها والترغيب فيها، ومما يؤثر عنهم في ذلك قولهم " أقبل على عملك وتعلم الكتابة تكن أهلا للقيادة والزعامة بين الرجال.
- أن الطبقية التي كانت تسود المجتمع المصري القديم انعكست بدورها على النظام التربوي في مراحله الأولى فكان لأبناء الطبقة الارستقراطية (الصفوة) مدارسهم الخاصة بهم، ولأبناء عامة الشعب التعليم المهني عن طريق التلمذة المهنية.
- أن التربية في المجتمع المصري القديم ارتبطت بالعقيدة الدينية، لأن المجتمع المصري كان متدينا تسوده عقيدة معينة، فاتصلت العلوم بالعقيدة، كما كانت هناك الدراسات الدينية التي اقتصرت على الكهنة للمحافظة على اسرار الكهانة.
- أن التربية في مصر القديمة كانت تهدف إلى تخريج المتعلمين لتولى المهن المرموقة في الفنون والصناعات الرائجة في ذلك الوقت كالهندسة والبناء، والنقش والتصوير والطب والكتابة والجندية، مما كان يضمن للفرد في ذلك العهد عيشة راضية في الدنيا ويكسبهم رضا الآلهة ومحبتهم في الدار الآخرة، واستهدفت أيضا تنمية القيم والمثل العليا عند الأفراد وأهمها احترام النظام الاجتماعي القائم والتمسك بالفضيلة.
- أن التربية في مصر القديمة لم تكن تربية نظرية مجردة وإنما كانت تربية عملية وكانت لها أسرارها التي يحتفظ بها من يعرفها ولا يعطيها إلا لوارثيه، حتى استمرت مهن مثل الكتابة والكهانة تقتصر على بعض العائلات الزمن طويل.
- أن التربية في مصر الفرعونية قد عرفت دعائم النظام التربوي من تنظيمات، وأهداف ومراحل، ومناهج، وكتب ومعلمين.. الخ
- أن التربية المصرية القديمة اهتمت بثلاثة جوانب تربوية هي: التدريب المهني، تعلم القراءة والكتابة والحساب، وتوجيه السلوك.
- أن التربية المصرية القديمة عرفت أسلوب الثواب والعقاب الزيادة فعالية التعليم، فكانوا يعاقبون التلاميذ بالعصا لتقويم سلوكهم، وبالحبس إذا تطلب الأمر ذلك.
- أن التربية المصرية القديمة قد عرفت بعض طرق التدريس - والتي ما زالت تستخدم حتى الآن، مثل طريقة التقليد والتكرار، والحلقات الدراسية.
- أن التربية في المجتمع المصري قد اهتمت بتعليم المرأة مبادئ القراءة والكتابة والحساب وأن كان ذلك في حدود مرحلة التعليم الأولى.
وخلاصة القول؛ أن المصريين القدماء كانوا ينعمون بحضارة راقية في حين كان الهنود والفرس واليونان والروم يتخبطون في ظلام الجهالة. ولهذا كانت الأمم في العهود السابقة تمجد مصر وتعرف لها مكانتها من الرقى والتقدم، وتعدها مدرسة الحكمة ومهبط العلوم والفنون وترسل إليها التابعين والنابهين من رجالها، لينهلوا من مواردها ويقتبسوا من معارفها، وحسبك في ذلك أن الإغريق أوفدوا إليها من فلاسفتهم " فيثاغورس، وأفلاطون، ومن رجال تشريعهم ليكورغوس، وسولون " فأقاموا بها ما شاءوا، ثم عادوا إلى ديارهم مزودين بما شاء الله من علم وحكمة.
قراءات إثرائية:
- جميس هنري بريستيد فجر الضمير ترجمة سليم حسن مهرجان القراءة للجميع مكتبة الأسرة، القاهرة .
- سليم حسن موسوعة مصر القديمة مهرجان القراءة للجميع مكتبة الأسرة، القاهرة.
- دوجلاس بريور إيمليتيتر مصر والمصريون ترجمة د. عاطف معتمد د. محمد رزق مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ۲۰۰۹
End of Topic
(إيجاد)
(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)
أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة