الدفاع الشرعي (حق الدفاع عن النفس)
- ما هو الدفاع الشرعي:
الدفاع الشرعي هو حق دفع اعتداء يقع على النفس أو المال أو نفس ومال الغير بفعل يعد جريمة، واستعمال القوة اللازمة لرد هذا الاعتداء، ويهدف إلى منع وقوع تعد حال غير مشروع بالقوة.
والدفاع الشرعي يستند إلى غريزة طبيعية في النفس البشرية وهي غريزة حب البقاء، كما يستند إلى منطق الأمور في الوقت ذاته، إذ من غير المعقول أن يلزم المشرع الأفراد بتحمل الاعتداء غير المشروع من الغير.
- عناصر الدفاع الشرعي:
يتطلب القانون توافر عناصر معينة في الاعتداء الذي يبرر نشأة حق الدفاع الشرعي وهي:
أولاً: وقوع خطر اعتداء على النفس أو المال بفعل يعد جريمة.
ثانياً: أن يكون موضوع الاعتداء من الجرائم الواردة على سبيل الحصر.
ثالثاً: أن يكون الخطر حالاً.
رابعاً: أن تكون القوة هي الوسيلة الوحيدة لدفعه.
- الخطر غير المشروع:
نص القانون على أن: "حق الدفاع الشرعي عن النفس يبيح للشخص إلا في الأحوال الاستثنائية المبينة بعد استعمال القوة اللازمة لدفع كل فعل يعتبر جريمة على النفس منصوصاً عليها في هذا القانون ".
أولاً: وجود خطر غير مشروع:
وهذا الشرط يعني أن يكون الاعتداء متمثلاً في خطر يهدد النفس أو نفس الغير بالضرر، ويلاحظ أن: الخطر هو حالة تنشأ عن الفعل المرتكب تجعل تحقيق الضرر بمصلحة المعتدي عليه وشيك الحدوث.
فالقاعدة: هي أن وجود الخطر شرط أساسي لنشوء حالة الدفاع الشرعي، هذا ويشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون الخطر غير مشروع، أي يهدد بنتيجة يحظرها قانون العقوبات.
- الجرائم التي يبيح خطر تحققها الدفاع الشرعي:
(1) جرائم الاعتداء على النفس:
فكل اعتداء يعد جريمة على النفس يعطي الحق في الدفاع الشرعي، ويدخل في هذا المضمون كل ما يمس حياة أو سلامة جسم الإنسان كالقتل والضرب والجرح، وما يمثل اعتداء على العرض كهتك العرض واغتصاب الإناث والفعل الفاضح وما يسمى الشرف والاعتبار كالسب والقذف.
(2) جرائم الاعتداء على المال:
1) جرائم الحريق العمد.
2) جرائم السرقة والاغتصاب.
3) جرائم التخريب والعيب والإتلاف.
4) جرائم انتهاك حرمة ملك الغير.
5) جرائم دخول أرض مهيأة للزرع أو مبذور فيها محصول أو مر فيها بمفرده أو ببهائمه أو دوابه المعدة للجر أو الحمل أو الركوب أو ترك هذه البهائم أو الدواب تمر فيها أو ترعى فيها بغير حق.
ثانياً: أن يكون الخطر حالاً:
وهنا فإذا كان الدفاع الشرعي لا يباح للمدافع إذا كان أمامه الوقت المناسب لكي يلجأ إلى السلطة العامة لتدرأ عنه الخطر الذي يتعرض له، فإن مفاده ذلك أنه إذا لم يجد هذا الوقت فإنه يباح له أن يصدر هو الخطر الذي يتعرض له، والخطر الحال له صورتين:
الصورة الأولى:
الخطر الوشيك:
وفي هذه الصورة من صور الخطر الحال تفترض أن الاعتداء لم يبدأ بعد ولكن صدرت عن المعتدي أفعال تجعل من المنتظر- وفق السير العادي للأمور- أن يبدأ في الاعتداء على الفور فالحلول إذاً هو صفة في الخطر وليس في الاعتداء، والمعيار في تحديد الخطر الوشيك يكمن في افتراض شخص معتاد أحاطت به ظروف المهدد بالخطر
الصورة الثانية:
الاعتداء الذي لم ينته بعد:
حيث تفترض هذه الصورة أن الاعتداء قد بدأ فعلاً ولكنه لم ينته بعد، فالمعتدي قد ضرب المجني عليه مرة وتأهب ليوجه إليه ضربات متتالية فالدفاع عنه يكون جائزاً لتفادي الخطر الذي يوشك أن يتحقق. ويطلق رأي فقهي على هذا النوع من الخطر بالخطر المتجدد.
ثالثاً: أن تكون القوة هي الوسيلة الوحيدة لدفع الاعتداء:
فاستخدام القوة يكون لازماً إذا كان هو الوسيلة الوحيدة لدفع الاعتداء ويلاحظ أنه: يتصور الدفاع بالقتل مع سبق الإصرار والترصد أو بالتسمم كما لو علق المدافع القتل على تهديده باعتداء يبيح القتل، كما قد يكون الدفاع بالقتل أو بالضرب أو بالجرح، كذلك يجوز الدفاع بجريمة مخلة بالحياء، فلا جناح على شخص يخرج عارياً في الطريق العام لدرء اعتداء على عرضه. ويلاحظ أن لزوم الدفاع يتطلب أمرين هما:
أ- الدفاع هو الوسيلة الوحيدة لدرء الخطر:
وهذا يعني أنه ليس لحق الدفاع وجود متى كان من الممكن الركون في الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال السلطة العمومية، بمعنى أن يكون هناك من ظروف الزمن وغيره ما يسمح بالرجوع إلى هذه السلطات قبل وقوع الاعتداء للاستعانة بها في المحافظة على حقه.
ب- اتجاه فعل الدفاع إلى مصدر الخطر:
يشترط في فعل الدفاع أن يكون موجهاً إلى مصدر الخطر حتى يكون من شأنه رد خطر الاعتداء، أما إذا وجه المدافع فعله إلى غير مصدر الخطر فلا يحق له التمسك بالدفاع الشرعي، فمن يهاجمه كلب لا يجوز أن يتركه ويطلق النار على مالكه، ويلاحظ أن توجيه الدفاع إلى غير شخص المعتدي لا يعتبر في جميع الأحوال توجيها للقوة إلى غير مصدر الخطر.
- حدود الدفاع الشرعي:
وفى النهاية نرجح ما ذهب إليه المشرع من اعتبار الدفاع الشرعي سبباً عاماً للإباحة يترتب على وجوده رفع صفة عدم المشروعية عن فعل المدافع ويعود به إلى دائرة المشروعية، فالمشرع قد اعتبر أن الإضرار بمصلحة المعتدي يعد أضراراً مشروعاً تقديراً منه أن مصلحة المدافع في حماية مصالحه وحقوقه تكون أجدر بحمايته من حماية مصلحة المعتدي.
- تناسب القوة المستعملة مع جسامة الاعتداء:
وهنا فإن التناسب لا يقوم على الموازنة بين جسامة الضرر الذي يلحقه فعل بالمعتدي والضرر الذي يهدد المعتدي عليه وهذا يعني أن التناسب يستلزم أن تكون الأفعال المرتكبة للدفاع تمثل القدر الضروري لرد الخطر أي أن يكون فعل الدفاع متناسباً مع خطر الاعتداء إذا كان هو الوسيلة الوحيدة التي أتيحت للمدافع للدفع الخطر.
والقول بغير ذلك يؤدي إلى تحويل الدفاع إلى انتقام وهذا ما لا يمكن أن يكون مشروعاً فمن الضروري أن تكون القوة المستخدمة في الدفاع متناسبة مع مقدار الخطر الذي يهدد المدافع، سواء من حيث طبيعة الاعتداء الواقع عليه أو مدى جسامته.
وتقدير ذلك يقتضي بطبيعة الحال الاعتداء بكافة الظروف الأخرى المحيطة بالواقعة، فإذا ثبت أن المدافع كان بوسعه درء الاعتداء بسلوك معين، فلا يباح له أن يدرأه بسلوك أشد جسامة، فإذا ثبت قيام حالة الدفاع وتحقق ذلك التناسب حقت البراءة للمدافع.
- الأحوال التي يجوز فيها القتل العمد في الدفاع الشرعي:
حرص المشرع على الحد من اللجوء للقتل كوسيلة من وسائل الدفاع الشرعي فلم يجزه إلا في أضيق نطاق وفي أحوال خاصة حددها على سبيل الحصر، ومن هذه الأحوال ما يتصل بالدفاع عن النفس ومنها ما يتصل بالدفاع عن المال.
أ- الجرائم التي تجيز القتل دفاعاً عن النفس:
نص القانون على أن حق الدفاع الشرعي عن النفس " لا يجوز أن يبيح القتل العمد " إلا إذا كان مقصوداً به دفع أحد الأمور الآتية:
أولاً: فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة، إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.
ثانياً: إتيان امرأة كرهاً أو هتك عرض إنسان بالقوة. ثالثاً: اختطاف إنسان.
ب- القتل العمد دفاعاً عن المال:
وتتمثل حالات القتل دفاعاً عن المال في الآتي:
أولاً: جرائم الحريق العمدي.
ثانياً: إذا كان فعل السرقة من المسروقات المعدودة من الجنايات.
ثالثاً: الدخول ليلاً في منزل مسكون أو أحد ملحقاته.
وهنا يجعل المشرع من الدخول ليلاً في المنازل المسكونة سبباً للدفاع الشرعي يصل إلى حد القتل.
وذلك أن مثل ذلك الفعل يشكل خطراً لا يعرف مداه، ويفترض في هذه الحالة أن الفعل ينصب أساساً على المال لكن المدافع يخشى مع ذلك أن يتجاوز الفعل مداه فيؤدي بحياة إنسان أو يصيبه بجراح بالغة.
- قيد عدم جواز مقاومة مأموري الضبط:
نص القانون على أنه: " لا يبيح حق الدفاع الشرعي مقاومة أحد مأموري الضبط أثناء قيامه بأمر بناء على واجبات وظيفته مع حسن النية ولو تخطى هذا المأمور حدود وظيفته إلا إذا خيف أن ينشأ عن أفعاله موت أو جراح بالغة وكان لهذا الخوف سبب معقول".
ويشترط لتطبيق حظر مقاومة مأموري الضبط:
1- حسن النية: يراد بحسن النية اعتقاد مأمور الضبط القضائي أن عمله في حدود القانون، أي جهله السبب الذي يعيب عمله ويخلع عنه الصفة المشروعة.
2- دخول العمل في اختصاص مأمور الضبط: وهذا يتطلب الرجوع في كل حالة على حدة إلى الأداة القانونية التي ترسم لكل وظيفة نطاق اختصاصها حتى يتسنى معرفة ما إذا كان العمل الذي قام به رجل الضبط داخلاً في اختصاصه أو خارجاً عنه.
3- ألا يكون ثمة خوف من أن ينشأ عن أفعاله موت أو جراح بالغة: فلا يمكن أن يلزم القانون الأفراد بتحمل الموت أو الجروح البالغة بسبب فعل هو في حقيقته الموضوعية غير مشروع، والمقاومة التي تكون مشروعة ضد مأمور الضبط القضائي تتطلب أن يكون من قام بها قد تخوف على نفسه أن يصيبها الهلاك أو يلحق بها الجراح البالغة.
- عذر تجاوز الدفاع الشرعي:
قد ينشأ حق الدفاع الشرعي صحيحاً فيخول للمعتدي عليه حق دفع الاعتداء بالقوة، ومع ذلك يتجاوز المدافع الحدود التي فرضها المشرع على استعمال هذا الحق فيترتب على ذلك مسئوليته ويشترط في التجاوز:
1- أن نكون بصدد حالة دفاع شرعي.
2- أن يحدث تجاوز لحدود الدفاع الشرعي بنية سليمة.
3- أن تكون القوة التي استعملت في الدفاع الشرعي تمثل جناية.
وإذا تبين لمحكمة الموضوع توافر عذر تجاوز حدود الدفاع الشرعي وفقاً للشروط التي بيناها آنفاً، فالقانون يقرر تخفيف عقاب المدافع، فيجوز للقاضي أن يحكم عليه بالحبس بدلاً من العقوبة المقررة في القانون، والتخفيف الذي يقرره القانون جوازي، فإذا قدر القاضي أن المتهم غير جدير به فله أن يحكم بالعقوبة العادية المقررة لجريمة.
كذلك يمكن للمحكمة أن تخفف من عقوبة الجريمة وتستخدم الظروف القضائية المخففة المنصوص عليها في المادة 17ع.
أما إذا وجدت أن الظروف تستدعي التخفيف عليها أكثر مما تقتضي به المادة 17، فإنها تطبق العذر المنصوص عليه في المادة 251ع فتنزل بالعقوبة إلى الحبس.
وفى النهاية نرجح ما ذهب إليه المشرع من اعتبار الدفاع الشرعي سبباً عاماً للإباحة يترتب على وجوده رفع صفة عدم المشروعية عن فعل المدافع ويعود به إلى دائرة المشروعية، فالمشرع قد اعتبر أن الإضرار بمصلحة المعتدي يعد أضراراً مشروعاً تقديراً منه أن مصلحة المدافع في حماية مصالحه وحقوقه تكون أجدر بحمايته من حماية مصلحة المعتدي.
End of Topic
(إيجاد)
(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)
أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة