إعلان الرئيسية

ظهور الدولة البيزنطية


الدولة البيزنطية

لعبت الدولة البيزنطية دوراً هاماً في التاريخ كقوة سياسية وحربية لقرون طويلة، وايضاً كمركز حضاري ثقافي، وحتى نهاية القرن الحادي عشر الميلادي كانت هذه الدولة مركزاً هاماً للحضارة في العالم المسيحي

وقد حمل البيزنطيون مشعل الحضارة الإنسانية في أوروبا العصور الوسطى في الوقت الذي غزت فيه الشعوب الجرمانية والسلافية معظم أوروبا، وقد سادت الفوضى والاضطراب البلاد بعدما وقعت تحت وطئتهم، ونجحت الدولة البيزنطية في ان تقدم للشعوب الجرمانية والسلافية ثقافتها وحضارتها، وبالتالي جذبت هذه الشعوب إلى مدار الحضارة وأبعدتهم عن الهمجية، مما جعل هذه الشعوب تدين بالكثير لبيزنطة التي أنجبت رجالاً عظماء، وجنوداً أكفاء، ودبلوماسيين مهرة، ومصلحين وعلماء وأدباء ساهموا في تقدم الحضارة البشرية، وأكثر ما ساعد الدولة البيزنطية في تحقيق ذلك الدور الحضاري هو ما تمتعت به من تشريعات وقوانين متطورة، ونظام إداري متين، وقدرة فائقة على التجديد والتطور المستمر.

ولا شك ان الدولة البيزنطية منعت وصول حركة الفتوحات الإسلامية في القرنين السابع والثامن الميلاديين، ولو سقطت بيزنطة قبل قيام العرب بحركة فتوحاتهم لانتشر الإسلام في جميع أنحاء أوروبا، واعتنقت كل الشعوب السلافية وكل شعوب وسط أوروبا الإسلام.

متى ظهرت الدولة البيزنطية؟

اختلف الباحثون في تحديد سنة معينة لظهور الدولة البيزنطية فقد أشار الأستاذ اوستروجورسكي (Ostrogorsky) عند حديثه عن الإمبراطورية الرومانية المسيحية إلى الرأي القائل بأن مفاهيم الرومان السياسية والثقافية اليونانية والديانة المسيحية كانت العوامل الرئيسية التي حددت نمو الصفة البيزنطية وتطورها، وان اقتران الثقافة الهلنستية بالديانة المسيحية داخل إطار الإمبراطورية الرومانية هو الذي أدى إلى ما نعرفه باسم الدولة البيزنطية، وأضاف إلى ذلك ان هذا التطور حدث نتيجة زيادة اهتمام الإمبراطورية الرومانية بالشرق بسبب أزمة القرن الثالث الميلادي، وكان اول مظاهر هذا الاهتمام هو الاعتراف بالمسيحية، وتشييد عاصمة جديدة على البوسفور، وأن هذين الحدثين انتصار المسيحية وانتقال المركز السياسي للإمبراطورية الرومانية إلى الشرق الهلنستي، يمثلان بداية العصر البيزنطي

واتخذ الأستاذ فازيليف (Vasiliev) في كتابة تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، والأستاذة هسي (Hussey) في كتابها العالم البيزنطي سنة 234 م باعتبارها السنة التي بدأت فيها الدولة البيزنطية تأخذ طابعها الخاص، ومن المعروف انه في تلك السنة بالذات انفرد قسطنطين الكبير بحكم الإمبراطورية الرومانية، وفيها اختار مكان مستوطنة بيزنطة اليونانية على البوسفور مركزاً لتأسيس عاصمة جديدة للإمبراطورية في الشرق

ومن المعروف ان الإمبراطورية بلغت الذروة في القرن الثاني الميلادي عندما اصبح البحر المتوسط بحيرة رومانية، غير أن هذه الإمبراطورية واجهت في القرن الثالث الميلادي ثلاث أزمات تمخض عنها ظهور الدولة البيزنطية او الإمبراطورية الرومانية الشرقية، او دولة الروم، وهذه الأزمات هي:

1- عدم الاستقرار السياسي والاضطراب الاقتصادي الذي تعرضت له الإمبراطورية الرومانية.

2- اغارات القبائل الجرمانية والفرس.

3- قصور الوثنية وعدم قدرتها على ملئ حاجات الناس النفسية وغيرها.

وخلال القرن الثالث وفي خضم تلك الأزمات فقدت الإمبراطورية الرومانية مظهرها وطابعها اللاتيني الوثني، وبدأت بالتدريج تأخذ شكلاً يونانياً مسيحياً

ولا شك ان عدم الاستقرار السياسي وما واكبه من مثالب النظم الاجتماعية للإمبراطورية ومؤسساتها الثقافية أضعف الإمبراطورية وهددها وعرضها للدمار، فقد بدأ الاستقرار السياسي منذ مقتل الامبراطور كاراكلا سنة 217 عندما بدأت سلسلة من الاغتيالات، فلم يعد هناك نظام معين لاختيار الأباطرة، ولم يعد لمجلس السناتو أي دور في ذلك، ولعب قادة الفرق العسكرية في ولايات الإمبراطورية دوراً كبيراً في تعيين وعزل الأباطرة، فشاعت بذلك الحروب الأهلية

وفي تلك الأوقات الصعبة التي مرت بالإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث، وفي ذروة عملية المخاض التي انتهت بظهور الدولة البيزنطية تولى عرش الإمبراطورية دقلديانوس (Diocletian) (284 – 305) الذي عرف كإداري قدير أكثر من جندي شجاع، وفي سنة 286 بدأ دقلديانوس إصلاحه الإداري بأن جعل السلطة العليا في الإمبراطورية في يد امبراطورين كل منهما يلقب بلقب أغسطس (Augustus) يحكم احدهما الشطر الشرقي من الإمبراطورية، ويقوم الاخر بحكم الشطر الغربي منها، وفي سنة 293 م قرر دقلديانوس ان يساعد كلاً من الامبراطورين نائب اتخذ لقب قيصر (Cacsar) يحل محل الأغسطس بعد وفاته او استقالته.

وقد حرص (دقلديانوس) في معظم سنوات حكمه على اتباع سياسة تسامح ديني مع المسيحيين، وكان القيصر جالريوس (Galerius) نائب دقلديانوس في الشرق، معارضاً عنيداً للمسيحية ومن الد اعدائها، وبذل جهده لدفع دقلديانوس على اضطهاد المسيحيين.

وفيما بين سنتي 302 – 305 اصدر دقلديانوس وجالريوس أربعة مراسيم تحث على اضطهاد المسيحيين، بما في ذلك حرق الاناجيل والكتب الدينية، ومنع المسيحيين من التجمع، وتحريم القيام بأي صلوات او طقوس دينية واعتبارهم خارجين عن القانون، وقتل كل الرجال والنساء والأولاد الذين رفضوا تقديم القرابين للآلهة الوثنية، وكان وقع الاضطهاد شديداً على الأقباط في مصر لدرجة انهم اتخذوا من سنة 284م، وهو تاريخ تولية دقلديانوس حكم الإمبراطورية، بداية للتقويم القبطي.

عصر قسطنطين وإنشاء القسطنطينية

كان انتصار المسيحية في الحقيقة تاريخ ظهور الدولة البيزنطية في عصر قسطنطين الكبير، ففي سنة 305 مرض دقلديانوس وتقدم به السن فتنازل هو وماكسيميان عن لقبهما الامبراطوري واعتزلا العمل السياسي، واصبح جالريوس حاكماً للقسم الشرقي للإمبراطورية خلفاً لدقلديانوس، في حين اصبح قسطنطيوس (والد قسطنطين) حاكماً للقسم الغربي خلفاً لماكسيميان، وكان قسطنطيوس قد عرف بمواقفه السلمية تجاه المسيحيين، غير انه توفي فجأة في السنة التالية 306 في بريطانيا مركز حكمه وخلفه ابنه (قسطنطين) وفي سنة 311 مرض جالريوس مرضاً عضالاً اعتقد ان سببه هو انتقام اله المسيحيين له، لهذا أصدر فجأة مرسوماً يمنع فيه اضطهاد المسيحيين وعفا عنهم، واعلن حقهم في الوجود، ولم ينفذ هذا المرسوم بصورة فعلية، ففي تلك السنة 311 ودقلديانوس لا يزال على قيد الحياة (مات سنة 312) شبت حرب اهلي، واعلن الثائرون خلع جالريوس من منصبه وتعيين ماكسنتيوس بن ماكسيميان، واغتنم قسطنطين موت ماكسيميان وجالريوس واتحد مع الأغسطس الجديد ليكينيوس (Licinius) وتمكنا سنة 312 من هزيمة ماكسنتيوس في معركة فاصلة تسمى وقعة جسر ملفيان (Milvian Bridge) على نهر التيبر قرب روما، وغرق ماكنستيوس في نهر التيبر اثناء محالوته الهرب من المعركة

واجتمع بعد ذلك قسطنطين وليكينيوس عند مدينة ميلان في مارس 313 واعلنا التسامح الديني للمسيحيين واصدرا وثيقة سميت خطأ باسم مرسوم ميلان، ذلك لأن النص الأصلي للوثيقة لم يعثر عليه، ولم تكن هذه الوثيقة مرسوماً ولكنها رسالة موجهة الى احد حكام الولايات في آسيا الصغرى والشرق عامة (حاكم نيقوميديا)، تحتوي على توجيه بحسن معاملة المسيحيين وتوضح سياسة التسامح التي اتبعتها الدولة تجاههم.

وتقص اسطورة من الاساطير ان قسطنطين الكبير سار على قدميه وخلفه حاشيته، ورسم بحربته حدود المدينة مدعياً بأنه يتبع دليلاً خفياً يسير امامه ليريه حدود مدينته (41) وفي يوم 11 مايو سنة 330 احتفل بتدشين العاصمة الجديدة التي اطلق عليها اسم روما الجديدة، الا ان الرجال اثروا ان يطلقوا عليها اسم (القسطنطينية) نسبة الى مؤسسها (قسطنطين)، ولهذه المناسبة امر قسطنطين بسك عملات برونزية صغيرة تخليداً وتذكاراً لهذه المناسبة، وقد تم سك هذه العملات في مدينة روما (42).

ويرى شارل ديل (Charles Diehl) وغيره ان يوم 11 مايو سنة 330، وهو يوم تدشين القسطنطينية هو اليوم الذي تمت فيه ولادة الدولة البيزنطية (43).

كما يؤكد رنسيمان (Runciman) ان عام 330 هو خير تاريخ يمكن اتخاذه نقطة بداية للتاريخ البيزنطي (44).


End of Topic


(إيجاد)

(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة