علم النفس الإكلينيكي
الأسس العلمية والتاريخية لعلم النفس الإكلينيكي
ماهية علم النفس الإكلينيكي:
كان أول من استخدم علم النفس الإكلينيكي كمفهوم هو العالم ويتمر (Witmer) سنة 1896م في الإشارة إلى إجراءات التقييم والتشخيص التي تُستخدم مع الأطفال المتخلفين والمعوقين، ولذلك فإن الاهتمام بالتشخيص في هذا العلم يُعتبر من بقايا تعريف (ويتمر) حيث كانت البداية العلمية لعلم النفس الإكلينيكي بإنشاء مؤسسة فاينلاند والتي تُعني بدراسة التخلف العقلي، وذلك في سنة 1906م، وتنوعت اهتمامات المؤسسين لهذا العلم بعد عدة سنوات لتشمل دراسة أنواع عديدة من الاضطرابات النفسية والعقلية، فعلم النفس الإكلينيكي يدمج بين العلوم الهامة، والنظريات القائمة، والمعرفة السريرية، وهدفه فهم طبيعية القلق، والتوتر، والضغوطات النفسية، وكذلك الاضطرابات والأمراض النفسي، وما ينتج عنها من خلل وظيفي، والعمل على التخفيف من حدتها، ومحاولة التغلب عليها ومقاومتها من خلال الفحص السريري، والتشخيص، والعلاج.
تعريف علم النفس الإكلينيكي:
يوجد عدة تعريفات لعلم النفس الإكلينيكي تختلف باختلاف اتجاهات العلماء وآرائهم ومعتقداتهم، فقد أورد القسم الثاني عشر المعروف باسم " قسم علم النفس الإكلينيكي " داخل جمعية علم النفس الأمريكية (APA) التعريف التالي: " هو مجال علمي يحدث التكامل بين العلم، والنظرية والممارسة، لفهم سوء التوافق، والإعاقات، والتنغيص (Discomfort) والتنبؤ بها، والتخفيف من حدتها، وتحسين التكيف التكيف والتوافق والارتقاء الإنساني، ويركز علم النفس الإكلينيكي على الجوانب العقلية والانفعالية والحيوية والنفسية والاجتماعية والسلوكية للوظيفة الإنسانية على مدى الحياة ".
تعريف " مصطفى كامل " لعلم النفس الإكلينيكي:
عرف " مصطفى كامل " علم النفس الإكلينيكي على انه: " احد فروع علم النفس الذي يعتمد على نتائج الدراسات العديدة لفروع علم النفس الأخرى الأساسية والتطبيقية، وتهدف هذه الاستفادة إلى الوصول لفهم وتحديد موضوعي، بغرض رفع كفاءة الخدمات النفسية الإكلينيكية المقدمة للمرضى النفسيين في مجالات عدة؛ كالتشخيص، والتنبؤ، والتوجيه، والتأهيل، والإرشاد والعلاج، ولغرض وقاية الأشخاص من الوقوع في الحالات، والظواهر المرضية ".
تعريف " جوليان روتر " لعلم النفس الإكلينيكي:
عرف " جوليان روتر " علم النفس الإكلينيكي بمعناه الواسع فقال: " هو الميدان الذي يتم فيه تطبيق المبادئ النفسية التي تقوم في أساسها على الاهتمام بالتوافق السيكولوجي للأفراد، والذي يشتمل على مشكلات السعادة لدى الفرد، مثل: مشاعر عدم الارتياح، والإحباط، والقلق، والتوتر، وعدم الملاءمة، وكذلك يتضمن علاقة الفرد مع الآخرين، والمطالب العديدة للمجتمع الذي يعيش فيه الفرد، وعادته وأهدافه ". وهذا التعريف يتحدث عن علم النفس الإكلينيكي بشكل عام، ولا يميزه عن غيره من الميادين الأخرى التي تهتم ايضاً بالتوافق السيكولوجي الكلي للفرد.
تعريف " لويس كامل مليكة " لعلم النفس الإكلينيكي:
أورد " لويس كامل مليكة " عدداً من التعريفات المهمة والشروح العديدة لوظائف علم النفس الإكلينيكية، فقد قال ان علم النفس الإكلينيكي يرتبط بتعريف علم النفس من ناحية وصفه بالعلم، والتكنولوجيا، والمهنة، فهذه الجوانب الثلاثة ذات أهمية كبيرة، حيث يعتمد كل جانب منها على الجانبين الآخرين من حيث النمو والتقدم، بل وفي الوجود ايضاً.
تعريف " جار فيلد " لعلم النفس الإكلينيكي:
عرف " جار فيلد " علم النفس الإكلينيكي على انه علم يدرس مشكلات التوافق الشخصية وتعديلاتها، وفي هذا التعريف يبان على ان اخصائي علم النفس الإكلينيكي هو علم نفس بالدرجة الأولى، إلا انه يتخصص بعلم النفس الإكلينيكي، ويتلقى ما يتطلبه هذا التخصص من تدريبات عملية في المواقف الإكلينيكية، بمعنى انه علم ومهنة في آنٍ واحد، فهو يختلف عن المهن الأخرى كالطب والخدمة الاجتماعية.
تعريف " الجمعية النفسية الأمريكية ":
بينت الجمعية النفسية الأمريكية، توضيحاً لآلية عمل علم النفس الإكلينيكي، فعرفته بأنه الطريقة الصحيحة لاكتساب المتخصص المعرفة المنظمة بطبيعة الشخصية الإنسانية، وتجهيز الطرق واعدادها، لاستخدام هذه المعرفة في تحسين حالة الفرد الفعلية، هذا التعريف يعتبر التعريف الإجرائي لعم النفس الإكلينيكي، فهو يبين ان أساس هذا العلم تطبيق للطريقة الإكلينيكية من حيث التشخيص والتنبؤ والعلاج، فالأخصائي النفسي الإكلينيكي يستخدم الأسس، والتكتيكيات والإجراءات السيكولوجية، والعديد من الطرق، وهو الذي يتعاون مع اخصائيين اخرين كالطبيب، والأخصائي الاجتماعي وغيرهما من اجل فهم ديناميات الشخصية التي يتم العمل على علاجها، وتشخيص مشكلاتها، والتنبؤ عن اذا كان هناك احتمال لتطور الحالة، ومدى استجابته للعلاج، وبالتالي الوصول بالشخص المراد علاجه إلى افضل توافق اجتماعي ذاتي يمكن تحقيقه.
ويندرج علم النفس الإكلينيكي ضمن فروع علم النفس التطبيقية او العملية، وهي سلسة من الإجراءات التحليلية لسلوك الفرد عن طريق الملاحظة والقياس والتشخيص وتقديم الاقتراحات للإجراءات العلاجية على صعيد التكليف والتوافق النفسي، وايضاً هو العلم الذي يندرج ضمن فروع علم النفس العام والذي يدرس الاضطرابات العقلية وتشخيصها وعلاجها، وإيكال هذه المهام إلى الاخصائي المدرب الحاصل على الدرجات العلمية اللازمة لمزاولة مهنة " أخصائي نفسي عيادي " بالإضافة إلى التدريب على المهارات العلمية اللازمة من مهارات التشخيص واختيار الطرق العلاجية الفعالية، واجراء المقابلات الإكلينيكية العيادية، وتوجيه الأسئلة المناسبة عن المريض، وحياته والاضطرابات التي يعاني منها
بداية علم النفس الإكلينيكي:
بدأ علم النفس الإكلينيكي أو السريري في القرن التاسع عشر، حيث أصبحت الدراسة العلمية راسخة في علم النفس، وكانت بداية ذلك عندما وافق العالم " ويتمر " (رئيس قسم علم النفس بجامعة بنسلفانيا) في ذلك الوقت على علاج طفل صغير يشكو من صعوبات في النطق، وأدى علاجه إلى نجاح (ويتمر) والذي سرعان ما دفعه نجاحه إلى افتتاح عيادة نفسية له سنة 1896م، حيث كان اهتمامه يظهر في مساعدة الأطفال الذين يُعانون من صعوبات كثيرة كصعوبة التعلم، وبعد مضيّ عشر سنوات، أسس (ويتمر) أول مجلة علمية تتناول هذا الموضوع فقط، فهي متخصصة بعلم النفس الإكلينيكي، وفي بداية الأمر كان الاستجابة بطيئة لاتباع طريق ومنهج (ويتمر) إلا انه في عام 1914م كانت في الولايات المتحدة الأمريكية 26 عيادة نفسية مماثلة لعيادة ويتمر، وهكذا تم انتشار وممارسة علم النفس الإكلينيكي.
أصل كلمة إكلينيكي:
كلمة إكلينيكي مشتقة من كلمة يونانية تعني (بجوار سرير المريض)، ثم تطور استخدام هذه الكلمة حتى أصبحت تُطلق على دراسة الفرد كفرد، بمعنى ان فحص وعلاج المريض يرتكز على أساس الأعراض التي تظهر عليه، وليست على أساس انه حالة من الحالات الكثيرة التي تصفها المراجع
وقد تطورت هذه الكلمة في العصر الحديث لتأخذ معاني جديدة ومختلفة عما كانت عليه في السابق، فأصبحت تُطلق على العيادة الخارجية.
أهداف علم النفس الإكلينيكي:
1- المحاولة المستمرة في اكتشاف مكنونات الصحة النفسية والعقلية والسعي لمساعدة الأفراد للوصول إليها.
2- الانتقال من الطرق الفردية للعلاج والإرشاد الى الطرق الجماعية وجلسات الإرشاد الجمعي.
3- الاهتمام بتعديل الاتجاهات السلوكية بشكل ايجاب بما بخدم الفرد والمجتمع.
4- استخدام أسلوب ربط المريض بواقعه، واعداد الخطط العلاجية في إطار ذلك.
5- الاهتمام الشديد بالدور الحساس لاختبارات القياس، وأساليب العلاج المناسبة ومناهج البحث العلمي التي تخدم العملية العلاجية.
6- التعرف على خصائص الأنماط السلوكية باستخدام أساليب القياس والتحليل ودراسة العلاقة بين نتاجاتها وبين التاريخ الاجتماعي للفرد.
المدارس الأربعة الرئيسية في علم النفس الإكلينيكي:
هناك أربعة مدارس رئيسية تسيطر على مجال علم النفس الإكلينيكي وتحدد طبيعة الممارسة العملية فيه وهي كالآتي:
العلاج النفسي الديناميكي:
تطور المنظور النفسي الديناميكي نتيجة لتطور التحليل النفسي الذي قدمه عالم النفس (سيجموند فرويد) ويتمثل الهدف الأساسي من التحليل النفسي في جعل اللاوعي واعياً، أي جعل الفرد على علم تام بدوافع اللاوعي المكبوتة لديه " وبالتحديد الدوافع الأساسية التي تتعلق بالجنس والعدوان " وآليات الدفاع المختلفة التي يستخدمها للسيطرة على كل ما يشعر به وتضمن الأساليب الأساسية لعملية التحليل النفسي استخدام أسلوب التداعي الحر وأسلوب التحويل الذي ينتهجه المريض تجاه المعالج النفسي، ويُعرف هذا الأسلوب بميل الفرد المريض للتعبير عن آرائه او مواقفه او انفعالاته الداخلية التي ترتبط بشخص مهم في حياته (كالآب مثلاً) وتحويلها تجاه شخص أخرى، وغالباً ما يكون المعالج النفسي الذي يقوم بدوره بتفسيرها.
العلاج النفسي الإنساني:
تطور علم النفس الإنساني في فترة الخمسينيات من القرن العشرين كرد فعل لظهور كل من المدرسة السلوكية والتحليل النفسي، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى أسلوب العلاج النفسي المتمركز حول المريض الذي وضعه " كارل روجرز " (والذي غالباً ما يُشار إليه باسم علاج روجرز) وعلم النفس الوجودي الذي نشأ وتطور على يد كل من " فيكتور فرانكل " و " رولو ماي "
وكان " روجرز " يؤمن بأن المريض يحتاج إلى ثلاثة أمور فحسب من الطبيب النفسي المعالج له لكي يتمكن من التحسن العلاجي وهي: (التوافق والانسجام والقبول - التقدير الإيجابي غير المشروط – التفهم والتعاطف مع ما يقوله المريض)
العلاج السلوكي والعلاج السلوكي المعرفي:
لقد نشأ العلاج السلوكي المعرفي نتيجة للجمع بين العلاج المعرفي والعلاج السلوكي الانفعالي العقلاني، الذين استمدا من علم النفس المعرفي والمدرسة السلوكية، ويعتمد العلاج السلوكي المعرفي على النظرية التي توضح مدى ارتباط كل من افكارنا (المعرفة) ومشاعرنا (العاطفة) وسلوكياتنا (السلوك) ببعضها ومدى تفاعلها معاً في صور معقدة، ويعد العلاج السلوكي احد المجالات الغنية بالبحث، ذلك حيث بعد من المجالات البحثية التي لاقت اقبالاً كبيراً من الباحثين النفسيين، كما انه يحظى بقاعدة عريضة من الدراسات والاعمال البحثية، وترجع اصوله إلى مفاهيم ومبادئ المدرسة السلوكية.
العلاج الأسري:
العلاج الأسري أو العلاج المجموعي وهو يهدف إلى العمل مع الأزواج والعائلات، كما انه يركز على العلاقات الأسرية باعتبارها عاملاً مهماً في مجال الصحة النفسية، ويهتم هذا العلاج النفسي كثيراً بالعلاقات وأساليب التفاعل بين الأشخاص، ولاسيما ملاحظة كيف ان التغيير الذي يطرأ على أحد الأفراد سوف يؤثر على المجموعة بأكملها.
الاتجاهات العلاجية الرئيسية الأخرى:
هناك عشرات الاتجاهات او المدارس المعتمدة في مجال العلاج النفسي وسنذكر منها عدداً قليلاً من هذه الاتجاهات العلاجية الرئيسية التي لم نذكرها فيما سبق ومن هذا الاتجاهات العلاجية الرئيسية الأخرى:
- العلاج النفسي الوجودي:
ويعتمد على ان الافراد يتمتعون إلى حد كبير بحرية اختيار شخصياتهم وطريقة تفسيرهم للعالم من حولهم وكذلك الطريقة التي يتفاعلون بها معه.
- علم نفس ما بعد الحداثة:
وهو يذكر ان الواقع ما هو إلا بناء ذاتي يعتمد على اللغة والمحيط الاجتماعي والتاريخ وذلك دون أية حقائق جوهرية، وبما انه لم يتم الاعتراف بالمرض النفسي والصحة النفسية باعتبارهما من الحقائق الموضوعية المحددة فإنه بدلاً من ذلك يرى اخصائي علم نفس ما بعد الحداثة ان هدف العلاج النفسي يعد امراً يحدده كل من المريض والطبيب النفسي المعالج له، وتشمل صور العلاج النفسي فيما بعد الحداثة العلاج القصصي والعلاج المتمركز حول حل المشكلات والعلاج بالترابط.
- علاج ما وراء الشخصية:
وهو يركز بدرجة كبيرة على الجانب الروحي من حياة الانسان كما انه لا يتضمن مجموعة من الأساليب العلاجية بقدر ما يتضمن الرغبة في مساعدة الفرد في اكتشاف الجانب الروحي لديه او حالات الوعي السامية.
End of Topic
(إيجاد)
(اطّلِع، تعرف، تعلم، درب عقلك، طور من نفسك، زِد معرفتك، كُن على معرفة، فالمعرفة بين يديك)
أهلاً ومرحباً بكم في | إيجاد | تسعدنا آرائكم ومشاركتكم معنا دائماً، فتشاركونا بآرائكم وتعليقاتكم التي تدفعنا إلى مزيداً من العطاء وإيجاد المعرفة